خبر الشُعث الغُبر...!

منذ 2019-07-25

لم ينته خبر الشعث الغبر،،،، ينحرون ويحلقون ويتحللون،،، ثم يطوفون بالبيت العتيق،،، طواف الركن والإفاضة،،،


دقت ساعة الانطلاق، بعد طول انتظار، وحنين شائق الى البلد الحرام ، فتجرد من ملابسه المعروفة، وتوجه بكامل فقره ومسكنته!! لكأنه ذاهب الى الوفاة... فكان من خبره وخبر الرفقة المهاجرة الى الله الأعاجيب،،،شعث واغبرار ،وتواضع وانكسار، ودعاء ولهج...!! حتى لتتمنى أن تكون واحدا منهم، او ذلك الخادم المعين...الذي ليس له حاجة الا خدمة وفود الباري عز وجل....

يارا حلين الى منى بقيادي// هيجتمُ يوم الرحيل فوآدي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي// الشوق أقلقني وصوت الحادي..!!

خرجوا من زينتهم، وتركوا دنياهم ، وفارقوا أهليهم،،، وهم مختارون،،!! يشعرون بلهيب داخلي يحثهم على المضي، وعدم التأخير...
ان المجال ليس مجال تأخر،،،، فالغنائم سانحة، والنفائس جاهزة، وانما كومة صدق وإخلاص، وبضعة لهج وتبتل، تصير بإذن من المقبولين الفائزين....((
«والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» ))....
اندفعوا الى الطواف، وسعوا لربهم ذاكرين وخاشعين، فما أضناهم الطول، ولا كدرهم التعب،،،! بل حفزهم الشوق، وجذبهم الفضل،،،
يدركون أن وراء التعب ما وراءه، وأن المشقة تأتي بالأمنيات، وما خلت مشقة من فرج، ولا ظلمة من نور،،،!! ولا عسر من يسر،،،!

تريدين لقيان المعالي رخيصة// ولابد دون الشهد من إبر النحلِ...

ونظيره الحج،،،جنة ممزوجة بالتعب والمشقة، ولكن عاقبتها فرح باذخ، وسرور دافق، وسعادة لا نهاية لها،،،!!

فألقت عصاها واستقر بها النوى// كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ،،،!


دخلوا منى يوم التروية، وقد تروّوا شوقا مزهرا، وعبيرامتلهفا، يلبون ويجأرون الى الله،،،!
حطت سياراتهم، وفيهم من سار وتنكب النصب، حتى عرسوا قليلا في منى،، ومع صبيحة عرفة المهيبة،،، ساروا ملبين، ومستعدين وتواقين ليوم مشهود عظيم،،، الكل ينتظره، والأمة ترقبه،،،ساعات ذهبيات،،، الدعاء فيها مجاب، والعفو ممنوح، والرحمة مبسوطة، والخير متمدد،،،، وفي ثناياها دموع سائلات، وأرواح خاشعة، وأكف مرفوعة، ومنظر خلاب،،،!!
ساعات ربما كانت أغلى ما في المناسك،،، اجتهد فيها الرسول الكريم، وسار الشُعث الغبر على أثره، يحيون سننه، ويقتفون منهاجه، ويتعلقون بتراثه،،،!

أيصح ذكري غيرها متغزلا// والحُسن كل الحسن في ذا الجيدِ...؟!


وبعد يوم مكلل بالجراح السعيدة، والدموع البهيجة، ينقشع النهار عن ليلة عجيبة، تلقيهم بالعراء، وضوء ينسلخ بوقعة نائم،،، لايدري أي طاقة حملها، حتى أنزلته منزلا ما أبهاه وأحلاه...!
رغم العناء،، والتعب،، والشعث والعرق المحمل به... إلا أنه مغمور بالسعادة، محاط بالانشراح،يجد حلاوة للنوم، لم يستطعمها من قبل...!
فرحة غريبة... سرور دافئ...لذاذة منتهية....يستعظم هذا الدين ونعمة الله عليه،،،((
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} ))
ليلة لا مثيل لها في الليالي...تزحزح كل المتاعب، وتذهب الاكدار، وتنفض الشعث والقذر... رغم وجود الشعث والوسخ والوحل...!!
فيصلي العشائين طيبا رضيا، وينام الى بروق الفجر،،،
وبعد ذكر مكثف، وتلبية حانية مع نسمات الصبح المشرق،، يذهب ليحيي منى برمي الجمرة الكبرى،، مكبرا مع كل حصاة...
لم ينته خبر الشعث الغبر،،،، ينحرون ويحلقون ويتحللون،،، ثم يطوفون بالبيت العتيق،،، طواف الركن والإفاضة،،،
ثم بالطواف الأعظم يضعون وزرهم، ويقضون تفثهم من الحلق وغالب المناسك،،، ويئوبون مرة أخرى إلي منى للمبيت والرمي...!
وفي تلك الأيام المعدودات ذكر وأكل وشرب كما قال صلى الله عليه وسلم،،، وأنس وانشراح،، يحمدون الله ويكبرونه على الإتمام وبهيمة الأنعام،،، ويتخيلون أن الحج قد قضي،،، ولكنه لم يقض بعد..! ولكنهم بالتحلل الكامل ونعمة الأكل والذكر المطلق وسنة المعايدة ظنوا الفراغ والخلاص،،!! ولكن لابد من وداع للبيت كما حيوه في الجيئة الأولى..

حمزة بن فايع الفتحي

رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير

  • 1
  • 0
  • 2,215

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً