أعاصير الحزن
لا أدري لماذا كلما عظم حزن المرء عجز عن التعبير، رغم ما يحمل بين جوانحه من العبارات المبعثرة التي يعجز عن ترتيبها.
لا أدري لماذا كلما عظم حزن المرء عجز عن التعبير، رغم ما يحمل بين جوانحه من العبارات المبعثرة التي يعجز عن ترتيبها.
قصيرة هذه الحياة، وطويلة تلك الأمنيات، فكيف تريد أن تظفر بكل ما تتمنى، والوقت دون الأمنيات؟
وقفت أحدث نفسي بهدفها الذي كانت تأمل بلوغه، وأملها الذي كانت تطلب الوصول إليه، فجاوبتني: لقد ذهب أدراج الرياح، وطوته صفحات النسيان.
وتأملت، فوجدت أنَّ العاقل هو الذي يجمع شتات فكره، ويتوجه نحو هدف واحد، ولا يلتفت إلى الأماني الشاردة ولا الأمنيات الكاذبة التي تعترض طريقه، فإذا به بعد مدة وقد حقّق مراده ووصل إلى مرغوبه، في الوقت الذي أخفق كثير من الناس عن تحقيق أهدافهم لانشغالهم بالحوادث العارضة التي بددت آمالهم وأثنت عزائمهم وشتت أفكارهم؛ حتى فات الأوان وغرقوا في بحر الأمنيات، وقد قيل:
إنَّ المنى رأس أموال المفاليسِ.
وكما أنَّ الانشغال بالحوادث العارضة يصدُّ عن بلوغ المأمول، فكذلك الأحزان؛ فإنها إن استولت على قلب المرء ضيّقت عليه عيشه، وكدّرت صفوه، وجعلته مشتتاً يريد أن يجمع مشاعره، ويستجمع رباطة جأشه حتى يستطيع الانطلاق نحو آفاق النجاح، فلا يلوي على شيء من ذلك.
فالهموم تحصر المرء في زاوية واحدة، وفي محيط واحد، لا تختلف بعض أطرافه عن بعض، فإذا به في دائرة من الشتات لا يعرف لها نقطة بداية ولا انتهاء، كلما ظنَّ أنه أنهى مشواره فإذا به يبدأ من جديد، ولو وحَّد همّه نحو شيء واحد، وهرب من نفسه إلى نفسه، وجمع فكره نحو هدف واحد بعيداً عن العوارض والأحداث والمنغِّصات، لوجدته بعد ذلك أكثر إنتاجاً، وأعظم ابتهاجاً، وعلى الرغم مما يتبقَّى معه من آثار ناتجة عن همِّ قلبه، لكنه يمكن أن يحتوي ذلك، لأنه همٌّ واحد وليس مجموعة تؤدي إلى الشتات.
وهذا هو الفرق بين الذين عانقوا السحاب، والذين دنت همتهم حتى التصقت بالتراب.
إنَّ أهل العقل والظفر خاضوا مع همومهم حرباً سجالاً فهزموها، فلانت لهم الصعاب، وحازوا قدم السبق، وأحرزوا النجاح، وأما الآخرين فقد جلسوا ينتظرون الخلاص؛ وقد وضع أحدهم يده على خدِّه وجلس ينتظر ذهاب الهمِّ وزوال الغمِّ، وإذ بهمِّه في كلِّ يوم يكبر حتى صارت هموماً مجتمعة؛ قطّعت قلبه بالحسرات، وكست حياته ثوباً أسودَ من الآلام والمنغّصات، وهذا هو الفرق بين الفريقين، وإلا فأين ذلك القلب الذي يخلو من الهموم والأحزان؟.
ولكن لما كان المرء قد أحسن التدبير، هان أمامه كل عسير، وصار الهمُّ أسيره بدلاً من أن يكون هو أسيراً للهموم والأحزان؛ التي تفتُّ عضده قبل أن يصل إلى ما كان يأمله من العيش السعيد، ويرجوه من الحياة الهانئة.
فإذا طرق الحزن بابك، فاجمع إليك فكرك، وتحصَّن عنه بحصن منيع، ثمَّ وجه إليه ضربة تشتته، قبل أن يجمع جنده، ويعاجلك برمية تطيش بعقلك، ثمَّ يستولي عليك بقية عمرك، ولعلك إذا اعتدت عليه وألفْته؛ لن ترغب أن يفارقك، حتى ولو عزم هو على الرحيل، فتبقى في عداد أهل الكآبة، الذين شحبت ألوانهم، واسودّت وجوههم، وضاقت صدورهم، وعاشوا بنفوس منهزمة وقلوب ضعيفة؛ حين صار الهمُّ جزءً من حياتهم كلما غاب افتقدوه.
إنك لن تعيش إلا مرة واحدة، فلا تفرط باتخاذ القرار في لحظة حاسمة، ستندم بعدها إلى آخر العمر.
.إنك لن تعيش إلا مرة واحدة، فلا تضع الفرصة، ولا تخطئ الهدف
- التصنيف:
- المصدر: