فوائد من كتاب الروح لابن القيم (3-4)
الفرق بين المنافسة والحسد: أن المنافسة المبادرةُ إلى الكمال الذي تشاهده من غيرك, فتنافسه فيه, حتى تلحقه أو تجاوزه, فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر, قال تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين:26]
الفرق بين خشوع النفاق وخشوع الإيمان:
الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق أن خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء, فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء, وشهود نعم الله, وجناياته هو, فيخشع القلب لا محالة, فيتبعه خشوعُ الجوارح.
وأما خشوع النفاق, فيبدو على الجوارح تصنُّعاً وتكلُّفاً, والقلب غير خاشع. وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق. قيل له: وما خشوع النفاق ؟ قال: أن يُرى الجسد خاشعاً, والقلب غير خاشع.
الفرق بين الجود والسرف:
الفرق بين الجُود والسّّرف: أن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه, والمسرف مبذر, قد يصادف عطاؤه موضعه, وكثيراً لا يصادفه.
وإيضاح ذلك أن الله سبحانه بحكمته جعل في المال حقوقاً....فالجواد يتوخي بماله أداء هذه الحقوق على وجه الكمال, طيبةً بذلك نفسه, راضيةً مؤملةً للخلف في الدنيا والثواب في العُقبى. فهو يخرج ذلك بسماحة قلب, وسخاوة نفس, وانشراح صدر, بخلاف المبذر, فإنه يبسط في ماله بكم هواه وشهوته جزافاً, لا على تقدير ولا مراعاة مصلحة, وإن اتفقت له.
الفرق بين المهابة والكِبر:
الفرقُ بين المهابة والكِبر: أن المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلاله, فإذا امتلأ القلبُ بذلك حلَّ فيه النور, ونزلت عليه السكينة, وأُلبس رداء الهيبة, فاكتسى وجهُه الحلاوة والمهابة, فأخذ بمجامع القلوب محبةً ومهابةً, فحنَّت إليه الأفئدة, وقرَّت به العيون, وأنِست به القلوب, فكلامه نور, ومدخله نور, ومخرجه نور وعمله نور, وإن سكت علاه الوقار وإن تكلم أخذ بالقلوب والأسماع
وأما الكبر فأثر من آثار العجب والغي من قلبٍ قد امتلأ بالجهل والظلم, ترحلت منه العبودية ونزل عليه المقت فنظرُه إلى الناس شرز, ومشيه بينهم تبختر, ومعاملتُه لهم معاملةُ الاستئثار, لا الإيثار ولا الإنصاف, ذاهب بنفسه تيهاً, لا يبدأ من لقيه بالسلام وإن ردَّ عليه رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه لا ينطلق لهم وجهه, ولا يسعهم خلقه لا يرى لأحد عليه حقاً ويرى حقوقه على الناس ولا يرى فضلهم عليه ويرى فضله عليهم لا يزداد من الله إلا بعداً, ولا من الناس إلا صغاراً وبغضاً.
الفرق بين الرجاء والتمني:
الفرق بين الرجاء والتمني: أن الرجاء يكون مع بذل الجهد واستفراغ الطاقة في الإتيان بأسباب الظفر والفوز, والتمني: حديث النفس بحصول ذلك مع تعطيل الأسباب الموصلة إليه.
الفرق بين المدارة والمداهنة:
المدارة صفة مدح, والمداهنة صفة ذم, والفرق بينهما: أن المداري يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق و يرده عن الباطل, والمداهن يتلطف به ليُقرَّه على باطله ويتركه على هواه, فالمدارة لأهل الإيمان, والمداهنة لأهل النفاق.
الفرق بين الشجاعة والجراءة:
الفرق بين الشجاعة والجراءة, أنُّ الشجاعة من القلب, وهي ثباته واستقراره عند المخاوف,..أما الجراءة, فهي إقدام سببه قلة المبالاة وعدم النظر في العاقبة, بل تقدُّم النفس في غير موضع الإقدام, مُعرِضةً عن ملاحظة المعارض فإما عليها وإما لها.
الفرق بين النصيحة والغيبة:
الفرق بين النصيحة والغيبة: أن النصيحة يكون القصدُ فيها تحذير المسلم من مبتدع أو فتان أو غاش أو مفسد, فتذكر ما فيه إذا استشارك في صحبته ومعاملته والتعلق به.
فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين, فهي قربة إلى الله, من جملة الحسنات, وإذا وقعت على وجه ذم أخيك, وتمزيق عرضه, والتفكه بلحمه, والغضِّ منه, لتضع منزلته من قلوب الناس, فهي الداء العضال, ونارُ الحسنات التي تأكلها كما تأكل النارُ الحطب.
الفرق بين العفو والذلِّ:
الفرق بين العفو والذلِّ: أن العفوَ إسقاط حقِّك جُوداً وكرماً وإحساناً, مع قدرتك على الانتقام, فتؤثر الترك رغبةً في الإحسان ومكارم الأخلاق, بخلاف الذل, فإن صاحبه يترك الانتقام عجزاً وخوفاً ومهانة نفس, فهذا مذموم غير محمود, ولعل المنتقم بالحق أحسنُ حالاً منه.
العفو من المخلوق ظاهره ضيم وذل, وباطنه عز ومهابة, والانتقام ظاهره عز, وباطنه ذل, فما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً, ولا انتقم أحد لنفسه إلا ذل, ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو, ولهذا ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط
الفرق بين التواضع والمهانة:
الفرق بين التواضع والمهانة أن التواضع يتولد من بين العلم بالله سبحانه, ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله, وتعظيمه ومحبته وإجلاله, ومن معرفته بنفسه ونقائصها وعيوب عمله وآفاتها. فيتولد من بين ذلك كله خُلق هو التواضع, وهو انكسار القلب لله, وخفضُ جناح الذلَّ والرحمة لعباده, فلا يرى له على أحداً فضلاً, ولا يرى له عند أحد حقاً, بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله, وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يُحبه ويُكرمه ويُقربه.
أما المهانة فهي الدناءة والخسة, وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها, كتواضع السُفَّل في نيل شهواتهم.
الفرق بين المنافسة والحسد:
الفرق بين المنافسة والحسد: أن المنافسة المبادرةُ إلى الكمال الذي تشاهده من غيرك, فتنافسه فيه, حتى تلحقه أو تجاوزه, فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر, قال تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين:26]
وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلباً ورغبةً, فتنافس فيه كل من النفسين الأخرى, وربما فرحت إذا شاركتها فيه, كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافسون في الخير, ويفرحُ بعضهم ببعض باشتراكهم فيه, بل يحضُّ بعضهم بعضاً عليه مع تنافسهم فيه. وهي نوع من المسابقة, وقد قال تعالى: {فاستبقوا الخيرات} [الحديد:21]
والحسدُ خلُقُ نفس ذميمةٍ وضيعةٍ ساقطةٍ, ليس فيها حرص على الخير, فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها, وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم, كما قال تعالى: {ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } [النساء:89] وقال تعالى: ] ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يرُدُونكم من بعد إيمانكم كُفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق [البقرة:109] فالحسود عدو النعمة, متمن زوالها عن المحسود, كما زالت عنه هو, والمنافسُ سابقُ النعمة, متمنِّ تمامها عليه وعلى من ينافسه.
- التصنيف: