مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - والليل إذا يغشى
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)} [الليل]
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ} :
يقسم تعالى بالليل إذ يغشى الناس فتنتشر الهدأة ويعم السكون ويجد الناس فيه مستراحاً, والنهار إذ يتجلى ببهائه ونوره فيهب الناس للأعمال والأرزاق والمعايش, كما أقسم سبحانه بخلقه للصنفين الذكر والأنثى مع اختلاف ما بينهما من خصائص, وتكاملهما في استمرار دورات الحياة.
أما المقسم عليه فهو أن سعي الناس متفاوت تفاوتاً كبيراً فمنهم السابقون ومنهم أهل اليمين ومنهم أهل الشمال ومنهم من يكون على الأعراف يوم القيامة.
اللهم اجعلنا من السابقين بكرمك وعفوك وفضلك العظيم
قال تعالى:
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)} [الليل]
قال السعدي في تفسيره:
هذا قسم من الله بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد على تفاوت أحوالهم، فقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [أي: يعم] الخلق بظلامه، فيسكن كل إلى مأواه ومسكنه، ويستريح العباد من الكد والتعب.
{وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} للخلق، فاستضاءوا بنوره، وانتشروا في مصالحهم.
{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} إن كانت " ما " موصولة، كان إقسامًا بنفسه الكريمة الموصوفة، بأنه خالق الذكور والإناث، وإن كانت مصدرية، كان قسمًا بخلقه للذكر والأنثى، وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكرًا وأنثى، ليبقى النوع ولا يضمحل، وقاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة، وجعل كلًا منهما مناسبًا للآخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
{ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى }هذا [هو] المقسم عليه أي: إن سعيكم أيها المكلفون لمتفاوت تفاوتا كثيًرا، وذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال ومقدارها والنشاط فيها، وبحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه الله الأعلى الباقي؟ فيبقى السعي له ببقائه، وينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها، ويضمحل باضمحلالها؟
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: