طالب العلم الذكي
أما اللبيب الفاهم ، فهو الذي يتخذ من سير هؤلاء نماذج يقتدى بها ، ومحفزات يحتذى على منوالها
طالب العلم الذكي الموفق هو الذي يجعل من قراءته لأخبار النوابغ والمتميزين - في الفهم ، أو الحفظ ، أو التصنيف ، أو الإتقان لفن ما من القدامى والمعاصرين - دافعا ومحفزا ، لا محبطا ومقعدا .
وبعض طلبة العلم إذا رأى عالما فذا ، أو مؤلفا مجيدا ، أو متحدثا بليغا ، أو متقنا لعلم من العلوم ، قال في نفسه :
أين أنا من هؤلاء ؟ وهل يمكن أن أبلغ مبلغهم ؟ وهل الأمة أصلا بحاجة لمثلي مع وجودهم ؟ وهل أصل يوما من الدهر لمرتبة تقاربهم ؟ وربما دفعه ذلك لليأس والانصراف عن طلب العلم .
أما اللبيب الفاهم ، فهو الذي يتخذ من سير هؤلاء نماذج يقتدى بها ، ومحفزات يحتذى على منوالها ، ونيته في طلب العلم أن يرفع الجهل عن نفسه أولا ، ثم لعل الله أن ينفع به الأمة يوما ما ، لا سيما أن الثغور التي تحتاج لمن يسدها من الاتساع والتنوع بحيث تستنفر طاقات أبناء الأمة كلها .
وسواء نبغ أو لم ينبغ ، ووصل لمبتغاه أم لا ، وصار رأسا أو بقي مغمورا ، فهو محتسب الأجر وتحصيل مرضاة الله ، وماض في طريقه لا يبالي ، ولعل الله أن يبارك له في القليل فيكثره ، وأن يجبر ضعفه ، ويقوي من عزيمته ، ويفتح له من أبواب الرحمة والعلم والهداية والتوفيق مثلما فتح لهؤلاء الأفذاذ .
ورضي الله عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله ابن عباس ، الذي لم تؤثر فيه مقالة رفيقه الأنصاري " أترى الناس يحتاجون إليك ! " فجد واجتهد في طلب العلم ، ووصل إلى ما وصل إليه .
فعن ابن عباس قال: " لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كثير " قال: العجب لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الأرض من ترى من أصحاب رسول الله؟ قال: فترك ذلك، وأقبلت على المسألة وتتبع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كنت ليبلغني الحديث عن رجل سمع الحديث من رسول الله فأجده قائلا: «فأتوسد ردائي على بابه تسفي الرياح في وجهي حتى يخرج» ، فيقول: ما جاء بك يا ابن عم رسول الله؟ فأقول: «بلغني أنك تحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك» ، فيقول: فهلا بعثت إلي حتى آتيك، فأقول: «أنا كنت أحق أن آتيك» ، فكان ذلك الرجل يمر بي بعد، والناس يسألوني فيقول: أنت كنت أعقل مني "
- التصنيف: