وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ

منذ 2020-09-28

الكيد هنا إنهم يكيدون للإسلام والمسلمين يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم، والله يكيد لهم بالاستدراج حتى يأتي موعد إهلاكهم ويجازيهم على كيدهم

{بسم الله الرحمن الرحيم }

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أهل الثناء والمجد، أحقَّ ما قال العبد، وكلّنا له عبْد: لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من صلى لله وتعبّد، وقام وتهجّد، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن لله تعبّد.

أما بعد

سورة الطارق مكية بالاتفاق، نزلت قبل سنة عشر من البعثة.

أخرج أحمد بن حنبل عن خالد بن أبي جبل العدواني أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي عندهم النصر فسمعته يقول { {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} } حتى ختمها قال: "فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإسلام"

{ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} }

أصل الطرق في اللغة الدق، ومنه المطرقة، ولذا قالوا للآتي ليلا «طارق» لأنه يحتاج إلى طرق الباب، وسمي النجم طارقا لطلوعه ليلا، ولكنه هنا خص بما فسر به بعده في قوله تعالى: { {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ} } [الطارق: 3] الثقب: خرق شيء ملتئم، أي النجم المضيء الذي يثقب الظلام بضوئه.

قال كثير من المفسرين أقسم الله بالسماء وبالنجم الطارق لعظم أمرهما وكبر خلقهما كما في قوله { {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} }

{ {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} }

جواب القسم بالسماء والطارق

قيل: { {حافظ} } أي «حارس» من الآفات والمهلكات، كقوله تعالى { {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} }

وقيل حافظ أي لأعماله «يحصيها عليه» كما في قوله { {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} }. { {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} } [الانفطار]

والسياق يشهد للمعنيين معا

وهو كناية عن البعث والنشور، فإن إقامة الحافظ تستلزم شيئا يحفظه وهو الأعمال خيرها وشرها، وذلك يستلزم إرادة المحاسبة عليها والجزاء

{ {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} }

الدفق: صبٌّ فيه دفعٌ وسرعة، أي ماء ذي اندفاق وهو المنيّ يصب في الرحم يخرج من بين الصلب وهو عظم الظهر من الرجل، والترائب عظام الصدر

وفيه إثبات البعث الذي أنكروه على طريقة الكناية التلويحية، والمعنى: فإن رأيتم البعث محالا فلينظر الإنسان مما خلق ليعلم أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول.

{ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} }

أي تختبر ضمائر القلوب في العقائد والنيات، { {فما له من قوةٍ} } في نفسه يمتنع بها { {ولا ناصرٍ} } ينتصر به ويدفع عنه. ولمّا كان رفع المكان في الدنيا إمّا بقوة الإنسان، وإمّا بنصر غيره له، أخبر الله بنفيهما يوم القيامة.

{ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} }

قيل: رجع الماء بعد فنائه بتلقيح السحاب من جديد

{ {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} }

قيل: تنشق بالنبات.

كما في قوله تعالى: { {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً} } [80/24-28] قضبا: أي علفا للحيوان

{ {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} }

قال القرطبي: إنه -أي القرآن- يفصل بين الحق والباطل. كما قيل له: فرقاناً.

ويجوز أن يعود الضمير في { {إنه} } على ما تقدم من الوعيد في هذه السورة { {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} } وسياق السورة يشهد لهذا القول الثاني لأن السورة كلها في معرض إثبات القدرة على البحث وإعادة الإنسان بعد الفناء

وإذا ربطنا بين القسم والمقسم عليه لكان أظهر وأوضح لأن رجع الماء بعد فنائه بتلقيح السحاب من جديد يعادل رجع الإنسان بعد فنائه في الأرض، وتشقق الأرض عن النبات يناسب تشققها يوم البعث عن الخلائق.

وقد سمي يوم القيامة بيوم الفصل كما في قوله { {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} }

{ {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} } أي باللعب والهذيان

{ {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} }

الكيد هنا إنهم يكيدون للإسلام والمسلمين يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم، والله يكيد لهم بالاستدراج حتى يأتي موعد إهلاكهم ويجازيهم على كيدهم

{وَأَكِيدُ كَيْدًا}

هذا تسيمة للعقوبة باسم الذنب، فسمى جزاء الكيد كيداً «على سبيل المقابلة»، نحو قوله تعالى: { {ومكروا ومكر الله} } { {إنما نحن مستهزءون} .. {الله يستهزىء بهم} } { {يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} }

{ {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} }

والإِمهالُ والتمهيلُ الانتظارُ. يقال: أَمْهَلْتُك كذا، أي: انتظرتُك لِتَفْعَلَه

{ {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} } الرويد: القليل. ومنه سار القوم رُوَيْدا، أي: متمهِّلين غير مستعجلين

أي انتظرهم زمنا قليلا، كناية عن تحقق ما يحل بهم من العقاب، لأن المطمئن لحصول شيء لا يستعجل به.

 

 

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]

 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 4
  • 0
  • 3,558

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً