السنة الحسنة والسنة السيئة
قال رسول الله ﷺ: «مَنْ دعا إلى هَدْيٍ كان له من الأجر مثل أجور مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَنْ دعا إلى ضلالةٍ كان له من الإثم مثل آثام مَنِ اتَّبعه، لا يَنْقُص ذلك من آثامهم شيئًا»
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74][1].
{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [لمائدة: 32].
من الأحاديث النبوية:
عن جرير بن عبدالله البَجَلي رضي الله تعالى عنه قال: كنَّا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء قومٌ عراةٌ، مُجتابي النِّمار[2] - أو العَباء - متقلِّدي السيوف، عامَّتهم من مُضَر؛ بل كلهم من مُضَر، فتَمَعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بهم من الفاقَة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلى، ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1][3][4]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18]؛ فتصدَّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع تمره.)، حتى قال: «ولو بشقِّ تمرة». فجاء رجلٌ من الأنصار بصرَّةٍ كادت كفُّه تعجز عنها؛ بل قد عجزت!! قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلَّل كأنه مُذْهَبَةٌ[5]، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَنَّ[6] في الإسلام سنَّةً حسنةً؛ فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن يُنقص من أجورهم شيءٌ. ومَنْ سَنَّ في الإسلام سنةً سيئةً؛ كان عليه وِزْرُها ووِزْرُ[7] مَنْ عمل بها، من غير أن يُنقص من أوزارهم شيءٌ» رواه مسلم (رقم: 1017)، والنَّسائي (رقم: 2554)، والتِّرمذي (رقم: 2675)، وابن ماجه (رقم: 203).
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليس من نفسٍ تُقتَل ظلمًا؛ إلا كان على ابن آدم الأوَّل كِفْلٌ[8] من دمها؛ لأنه أوَّل مَنْ سَنَّ القتل» رواه البخاري (رقم: 7321)، ومسلم (رقم: 1677).
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ دعا إلى هَدْيٍ كان له من الأجر مثل أجور مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَنْ دعا إلى ضلالةٍ كان له من الإثم مثل آثام مَنِ اتَّبعه، لا يَنْقُص ذلك من آثامهم شيئًا» (رواه مسلم (رقم: 2674).
عن ابن مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ دَلَّ على خيرٍ؛ فله مِثْلُ أجر فاعله» أو قال: (عامله)؛ رواه مسلم (رقم: 1893).
[1] من قَرَّتْ عينُه تَقِرُّ - بالكسر والفتح - قُرَّةً، وتضم؛ وقرورًا: بَرَدَتْ وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوقةً إليه.
[2] مجتابي النِّمار؛ أي: لابسيها، جمع نَمِرَة: كساء من صوف مخطَّط؛ وتمعَّر: تغيَّر.
[3] من باب رَدَّ؛ أي: نَشَر.
[4] بحذف إحدى التاءين؛ أي: يسأل به بعضكم بعضًا، واتقوا الأرحام فلا تقطعوها؛ وعلى قراءة الجر: يكون عطفًا على الهاء، وكانوا يتساءلون بالرحم كما يتساءلون بالله.
[5] المُذْهَبَة: الصحيفة المنقشة بالذهب، يصف حسنه وبشره بالعطاء.
[6] قال الشَّاطبيُّ في "الاعتصام": "(مَنْ سَنَّ)؛ بمعنى: مَنْ أحيا، يفسِّرُه حديث: (مَنْ أحيا سنَّةً قد أُميتت بعدي؛ فإن له من الأجر مثل مَنْ عمل بها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا) انتهى. ويصحُّ أن تكون السنَّة عن اختراع طريق يسهِّل الوصول إلى الخير، وليس ذلك اختراعًا لعبادة؛ بل هو اختراع لطريق من طُرُق بَذْل المال، والممنوع هو الاختراع في عبادةٍ حدَّدها الدين أو ما يشابهها.
[7] الإثم والثِّقَل.
[8] النَّصيب.
__________________________________________
الكاتب: الشيخ محمد أحمد العدوي
- التصنيف: