النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوة
فهو صلى الله عليه وسلم قدوة حين يخشى الله ويراقب الله تعالى، هو صلى الله عليه وسلم قدوة حين يصوم النهار وحين يقوم الليل، هو صلى الله عليه وسلم قدوة حين يتصدق بالصدقة فيخفيها
أيها الإخوة الكرام: إنه لمن دواعي سروري أن ينتظم حديث اليوم وحديث الأسبوع القادم جملة وتفصيلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
سيبقى الحديث حصرا وقصرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره نبي هذه الأمة، باعتباره قدوة ومثالا يحتذى لكل مسلم ومسلمة، سيبقى الحديث عن رسول الله باعتباره رحمة بعثه الله تعالى العالمين..
في غزوة الأحزاب عرف الخوف والفزع طريقه إلى القلوب المؤمنة وفي وصف دقيق للحال نزلت هذه الآيات { إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا۟ زِلْزَالًا شَدِيدًا}
بينما الخوف يدب في قلوب المؤمنين، وبينما الفزع يعمل عمله في مفاصلهم يوم الأحزاب ، بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا شامخاً لا يخشى عدوه من البشر لا يخاف عدوه من الناس ، بقي حسن الظن بالله تعالى بقى عالي الهمة لم تهتز ثقة بالله تعالى ..
ساعتئذ نزلت هذه الآية {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا }
هذه الآية لها مفهوم ضيق ولها مفهوم واسع ﴿ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ﴾ بمفهومها الضيق تقول لقد كان لكم في ثبات رسول الله يوم الأحزاب أسوة حسنة لقد كان لكم في شجاعته في علو همته يوم الأحزاب أسوة حسنة ..
أما بالمفهوم الواسع لقوله تعالى ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ فهذه الآية بمفهومها الواسع تفتح باب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرعيه، لدرجة أنني لا أشعر أني أبالغ حين أصف هذه الآية ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ بأنها أوسع آية في القرآن الكريم..
ذلك أن الحقيقة الدقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي في كل جانب من جوانب الحياة مثالا يحتذى ونوراً يهدي إلى صراط الحميد ...
فهو صلى الله عليه وسلم قدوة حين يخشى الله ويراقب الله تعالى، هو صلى الله عليه وسلم قدوة حين يصوم النهار وحين يقوم الليل، هو صلى الله عليه وسلم قدوة حين يتصدق بالصدقة فيخفيها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، هو قدوة في حسن صحبته، هو قدوة في صبره وحلمه على عدوه..
ومن ذا الذي ينسى قوله ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)
ومن ذا الذي ينسى قوله ( اللهم اهد دوسا وائت بهم ).
هو قدوة لداعية يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة..
هو قدوة لشاب يغتنم عمره ولا يضيعه ، هو صلى الله عليه وسلم قدوة لرجل يحفظ الأمانة التي ائتمنه في الله عليها في أهله وماله وولده..
هو قدوة لزوج يكرم امرأته، هو قدوة لأب يحب أولاده، هو قدوة لجد يرحم أحفاده، هو قدوة لرجل يصل الرحم ويكرم الضيف ويعين الناس على نوائب الحق ..
هو قدوة لكل راع مسئول عن رعيته، هو قدوة لكل تاجر صادق وأمين، هو قدوة حين يتكلم،هو قدوة حين يسكت، هو قدوة حين يشاور حين يحاور هو قدوة حين يحب وحين يكره، وحين يعطي وحين يمنع، هو قدوة حين يحترم الكبير وحين يرحم الصغير ﴿ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ﴾
باب التأسي برسول الله باب واسع يتسع لحياة المؤمن من يوم مولده إلى يوم وفاته كل كلمة ينطق بها لسانه يرتجى من ورائها أجر إن وافقت هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كل عمل صالح يرتجى منه الثواب إن أتى على أسلوب النبي عليه الصلاة والسلام﴿ { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ﴾
من الخصائص المهمة والمتميزة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام أن حياته لم تكن لغزاً لم يكن فيها أسرار لم يكن فيها خفايا، ليس في حياته شيئا مجهولا .. إنما كانت حياة النبي عليه الصلاة والسلام كتاباً مفتوحاً كتابا أبيض كل شيء فيه واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ..
كلامه، دعوته، مشيته، نومته، دمعته، بسمته، غضبته، رأفته، حتى الطعام نعلم ما كان يحب منه وما لا يحب ..
بقيت وستبقى إلى ما شاء الله حياة النبي عليه الصلاة والسلام صفحة مفتوحة أمام كل الناس لينظر فيها كل أحد ويتعلم منها كل أحد ستبقى صفحة حياته عليه الصلاة والسلام صفحة صالحة ومصلحة إلي ما شاء الله ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( « قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» )
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفهم عنه وعن رسوله عليه الصلاة والسلام إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كقدوة..
بقي لنا أن نقول إن من الآيات المفزعة في القرآن الكريم قول الله تعالى ﴿ {يَوْمَ نَدْعُوا۟ كُلَّ أُنَاسٍۭ بِإِمَٰمِهِمْ ۖ } ﴾
يأت الناس يوم القيامة كل واحد منهم خلف إمامه وخلف مثلهم الأعلى ..
من الناس من إمامه في الدنيا ومثله الأعلى ظالم من الظالمين .. يأتي يوم القيامة خلفه ﴿ {يَوْمَ نَدْعُوا۟ كُلَّ أُنَاسٍۭ بِإِمَٰمِهِمْ ۖ } ﴾
من الناس من مثله الأعلى في الدنيا جبار من الجبارين ، فاسد من الفاسدين، فاسق من الفاسقين .. إذا كان يوم القيامة حشر معه قال الله تعالى ﴿ { يَوْمَ نَدْعُوا۟ كُلَّ أُنَاسٍۭ بِإِمَٰمِهِمْ ۖ } ﴾
وبنفس الدرجة التي أحسب بها هذه الآية من الآيات المفزعة.. أحسبها في حق المؤمن من الآيات المفرحة .. ﴿ { يَوْمَ نَدْعُوا۟ كُلَّ أُنَاسٍۭ بِإِمَٰمِهِمْ ۖ } ﴾
وما وجه الفرح في هذه الآية؟
وجه الفرح فيها هو أن إمام المسلمين ومثلهم الأعلى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وسوف ينادي على المسلمين يوم القيامة أن ائتوا بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ {يَوْمَ نَدْعُوا۟ كُلَّ أُنَاسٍۭ بِإِمَٰمِهِمْ ۖ } ﴾
فكل من أحب واقتدى وصدق وآمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم سيأتي معه يوم القيامة وأنعم بها من صحبة..
«جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، كيفَ تَرَى في رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بهِمْ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: المَرْءُ مع مَن أَحَبَّ» .
رزقنا الله وإياكم حبه وحب رسوله صلى الله عليه وسلم إنه ولي ذلك ومولاه..