تزييف الوعي
ثانياً: تجنيد المبشرين الغربيين في معركة سلمية لمحاربة تعاليم الإسلام ووقف انتشاره، ثم القضاء عليه معنوياً واعتبار هؤلاء المبشرين جنودا للغرب.
{بسم الله الرحمن الرحيم } ت
اشتهر عن الملك الفرنسي لويس التاسع تعصبه الصليبي الديني وكراهيته للمسلمين حتى أعطته الكنيسة وصف ولقب «القديس»
وبعد هزيمته المذلة على أيدي المسلمين في مصر في حملته الصليبية عام 1250م وأسره في المنصورة، كتب وصية خبيثة لرسم طريقا للتغلب على المسلمين بغير حرب ولا نزال
وهذه الوصية ما زالت محفوظة في دار الوثائق القومية بباريس ونقلها المؤرخ النصراني "جوانفيل" الذي رافق لويس في حملته الصليبية فقال:
إن لويس انتهى تفكيره بعد هزيمته واعتقاله وفشله في أن يحتل بيت المقدس إلى الخطة التالية :
أولاً: تحويل الحملات الصليبية العسكرية إلى حملات صليبية سلمية تستهدف ذات الغرض، لا فرق بين الحملتين إلا من حيث نوع السلاح الذي يستخدم في المعركة.
ثانياً: تجنيد المبشرين الغربيين في معركة سلمية لمحاربة تعاليم الإسلام ووقف انتشاره، ثم القضاء عليه معنوياً واعتبار هؤلاء المبشرين جنودا للغرب.
ثالثاً: العمل على استخدام مسيحيي الشرق في تنفيذ سياسة الغرب.
رابعاً: العمل على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق الإسلامي يتخذها الغرب نقطة ارتكاز لقواته الحربية ولدعوته السياسية والدينية، وقد اقترح لويس لهذه القاعدة الأماكن الساحلية في لبنان وفلسطين.
وقد تم ما خطط له لويس:
1/ حاول نابليون ذلك، ولكنه جمع التغريب بالفكر مع السلاح ففشل، وإن كان ما قدمه من تغريب وتخريب للفكر الإسلامي بقي مع رحيله وما زال حتى الآن في بلاد المسلمين
2/ في المرحلة الثانية من القرن 19-20 قام الانجليز والفرنسيين بعد الاحتلال ومقاومته .. قاما بتفعيل الاختراق السلمي بالفكر فاستطاعا تحقيق الخطة بالمستشرقين وتغريب الفكر ونشر العلمانية عن طريق التعليم والصحف والفن الذي تم إدخاله في حياة المسلمين
وأصبحوا أخطر ألف مرة من الحملات العسكرية، وحققوا نتائج اخطر مليون مرة من الاحتلال العسكري الذي يوقظ مشاعر النخوة للجهاد
فظهر كثير من المنتسبين للإسلام اشد خطرا من الكفار على عقل وعقيدة المسلمين
والمتابع لحركة التغريب في مصر مع الاحتلال الانجليزي يرى ذلك بوضوح، فالمصريين الذين جاهدوا المحتل الفرنسي ثلاث سنوات حتى أخرجوه ذليلاً وقدموا آلاف الشهداء، نجد أن تفاعلهم مع المحتل الانجليزي يختلف تماما، فبعد بداية قوية نجد شبه استكانوا له وذلك عن طريق الساسة والرموز المصريين الذين صنعهم الفكر الغربي وقلدهم الوزارات
3/ خطة لويس في استخدام مسيحي الشرق نجحت في لبنان حيث استطاع المارون عبر امتلاكهم للمال والصحافة والفن في القرن 19، التغلغل في العقل الإسلامي واختراقه، وكذلك نصارى مصر أصبحوا من أدوات أمريكا والغرب في الابتزاز وتفعيل كل خططهم.
4/ استطاع الفرنسيون والانجليز والأمريكان من بعدهم نشر كل الأفكار التي تعادي الإسلام، مثل: العلمانية والليبرالية والاشتراكية واليسار والشيوعية، وجعلها عقيدة أيدلوجية بديلة عن الإسلام في فكر المسلمين حتى صار كثير من أصحاب الأسماء الإسلامية يبذل جهده وماله وولاءه لهذه الأفكار بكل ما يستطيع، ويحارب من أجلها المتمسكين بإسلامهم
فبعد دخول الاحتلال الأمريكي العراق قال بول بريمر: الآن بدأت حرب الأفكار
5/ استطاع الإنجليز بمعاونة كل من الروس والأمريكان زرع دولة إسرائيل بالقوة على أرض فلسطين وجعلها أداة لتمزيق المسلمين والسيطرة على حكام العرب
يقول المستشرق (هانوتو) وهو مستشار سياسي لوزارة المستعمرات الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر: "لقد تركزت أهداف الحروب الصليبية قديماً في استرداد بيت المقدس من المسلمين البرابرة، ومما يزعج الغرب المسيحي بقاء لواء الإسلام منتشراً على مهد الإنسانية،
ولذا يجب أن نعمل على نقل المسلمين إلى الحضارة الأوروبية بقصد رفع الخطر الكامن في الوحدة الإسلامية، وأفضل طريق لتثبيت ولاية المستعمر الأوروبي على البلاد الإسلامية هو تشويه الدين الإسلامي، وتصويره في نفوس معتقديه بإبراز الخلافات المذهبية والتناقضات الشعوبية والقومية والجغرافية، مع شرح مبادئ الإسلام شرحاً يشوهها وينحرف بها عن قيمها الأصلية، وتمجيد القيم الغربية والنظام السياسي والسلوك الفردي للشعوب الأوروبية".
وقد تم ما خطط له ونجح هانوتو وأصبح كثير من المسلمين يعادون ثوابت دينهم
وعن طريق سايكس بيكو والولاء للأرض تقاتل المسلمون.
ويبقى أن الله تعالى جعل لويس عبرة، فقد أراد أن يغزو «تونس» فمات على أبوابها، وأرادت كنيسة الصليب ان تجعله قديس، فجعله الله عبرة، حيث تقطعت جثته قطع، وذابت في الأحماض، ولم يبق منها أصبع واحد ولا قطعة عظم في قصة عجيبة
لقد نجح لويس في خطته وسيطر أولاد لويس على بلاد المسلمين في الحكم والثقافة والسياسة والفن والإعلام والاقتصاد، وانتشر الزنا والشذوذ والقمار وزنا المحارم وشرب الخمر وكل فواحش الغرب في بلاد المسلمين.
يقول أحمد عبد المعطي حجازي في جريدة الأهرام، الصادرة بتاريخ 25/5/1988م: "ولكن تجربة هؤلاء السادة مع رقص الباليه ما تكون، فمن حقهم أن يشاهدوه، ومن حقهم أن يقاطعوه، ولكن ليس من حقهم أن يستنبطوا من تجربتهم الشخصية حكما يعممونه على الناس في آخر القرن العشرين، وليس من حقهم أن يصموا هذا الفن الرفيع بما وصموه به منتهين إلى تحريمه، وليس في الرقص حلال وحرام، بل فيه ترفع وتبذل وركاكة وإتقان .. إلى أن يقول: ونحن قد نفهم أن يدافع هؤلاء السادة عن القيمة الأخلاقية في الفن، ويطلبوا منه تهذيب النفوس والأرواح، فهذا مطلب أناس كثيرين، منهم فنانون وفيهم نقاد، يجعلون القيمة الأخلاقية مقياسا من مقاييسهم الفنية ذاتها، فإذا افتقدوها في عمل فني وصفوه بالشكلية وعدم المسئولية، أما تحريمه وتحليله فغير مقبول، حتى من وجهة نظر دينية مستنيرة، لأن الفن ليس من أمور الدين، وإن لم يتناقض معه، إذ هو أيضا نشاط روحي له قوانينه التي تنظمه بعيدا عن الدين، كما أن للعلم قوانينه، وللطب قوانينه، فليس لعلماء الدين سلطة على الفن، كما لا سلطة لهم على العلم .. ثم يقول: فإذا طبقنا على بقية الفنون ما طبقه العرب على فن الشعر، قلنا إن الدين لا علاقة له بالرقص أو التصوير أو التمثيل أو الموسيقى، فلا يحق لأحد أن يقيسها بمقياس الحلال والحرام حتى ولو صورت أفعالا لا تتفق مع تعاليم الدين، لأن هذا التصوير ليس فعلا، بل هو فن يقاس بمقاييس جمالية".
ولا شك إن ثقافة النفاق في النفوس البشرية مثلت بيئة خصبة لكي تنمو كل شاردة وواردة من الأفكار والسلوكيات الدخيلة والشاذة .. ومهما دارت الأيام فإن مفهوم الشاعر الذي يدخل على الخليفة فيمدحه، ويخرج حاملاً زكيبة مال، هو مفهوم متأصل فينا ويصعب الخلاص منه.
لا أزعم أنني درست الأدب العالمي، لكن أزعم أنك ستتعب كثيرًا حتى تجد بيتًا من الشعر في أي لغة يماثل ما قاله ابن هاني الأندلسي في مدح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله :
ما شئت لا ما شاءت الأقدار .... فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد ..... وكأنما أنصارك الأنصار !!
إن أي أمة يُقال فيها كلام كهذا هي أمة مقضي عليها بالفناء، فلا غرابة أن يقال إن هذا الشعر كان نذيرًا بفناء دولة العرب في الأندلس.
والمزايدة تتكرر فى قصص التراث بلا انقطاع .. ها هو ذا (أبو تمام) ينشد قصيدته السينية أمام الأمير (أحمد بن المعتصم).. فيقول الشاعر فى نفاق صادق حار واصفًا الأمير:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ..... في حلم أحنف في ذكاء إياس
هنا يتدخل رجل بلغت به (سلطنة) النفاق درجة أعلى.. هذا الرجل هو أبو يوسف يعقوب الكندي قائلاً: «الأمير فوق من ذكرت»!!
يعنى كل هذا النفاق غير كاف .. الأمير أعظم من هذا.. لابد من المزايدة فقد بدأ (مولد) النفاق.. وعلى الفور يستغل (أبو تمام) موهبته ليرتجل شعرًا لم يكن مكتوبًا:
لا تنكروا ضربي له مَن دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس
فاللّه قد ضرب الأقل لنــــوره ... مثـــــلا من المشكاة والنبراس
هذه القصة لا ترد في المراجع دليلاً على عبقرية النفاق، بل على براعة الشاعر وحسن تصرفه.
"والعجب من بعض المتفقهة الفجرة، يذكرون طائفة من الأحاديث لكثير من الظلمة ممن انغمس في الظلم، وعام فيه وسبح، وأخذ أموال الناس من غير حلها، وقتل النفس الحرام أكثر من ألف مرة بغير حق، واستحل أموال الناس ودماءهم وأعراضهم، ويُزيِّن له أنه عادل، ولولا أنت ولولا أنت؛ ليتوجه بذلك عنده، وينفق سوقه، فلا كثَّر الله في المسلمين من أمثالهم"
ذات مرة – قبل أن يدخل معترك السياسة بهذا الوضوح – زار السيد (جمال مبارك) مدرسة خاصة للفتيات في القاهرة، فنشرت التلميذات في إحدى المجلات رسالة مناشدة إلى الرئيس مبارك تقول: «نحن في بلد ديمقراطي ومن حقنا التعبير عما يجول بخاطرنا، وأنت علمتنا الحرية وعدم الخوف.. لذا نطالب الرئيس مبارك بأن يكلف السيد (جمال) بمنصب سياسي مهم!»
هذا نوع من النفاق عجيب، على غرار: «اتركني أقول شهادتي التي سأسأل عنها أمام الله.. أنت أعظم وأروع من رأيت!»..
هم مستعدون في أي بلد عربي كي يهتفوا (الأمير فوق من ذكرت) في أي لحظة.. ولسوف يظهر لهم من يزيد بيتين من الشعر لإرضاء الحاكم
باختصار.. يبدو أن البلهارسيا والموالسة داءان متوطنان لن يزولا أبدًا
المصادر
- أبناء لويس يحكموننا ممدوح إسماعيل
- داءان لن يزولا د:احمد خالد توفيق
- يوسف بن عبد الهادي الحنبلي، إيضاح طرق الاستقامة في بيان أحكام الولاية والإمامة ص 123
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: