رضيت بالله ربا
دايةً أرجو أن أوفَّق في إيصال ما أريد إلى العالَم، الذي لم أعرف عنه إلا ما شاع واشتهر؛ رغم شغفي بمعرفة الكثير عن الشعوب الأوروبية، وها هي الفرصة تُتاح لي لأن أُفصح عن ما يجول في خاطري..
بدايةً أرجو أن أوفَّق في إيصال ما أريد إلى العالَم، الذي لم أعرف عنه إلا ما شاع واشتهر؛ رغم شغفي بمعرفة الكثير عن الشعوب الأوروبية، وها هي الفرصة تُتاح لي لأن أُفصح عن ما يجول في خاطري، ومِن عنوان المقالة فرسالتي هي إيضاح دوافعي حسب مراحل عمري وراء انتسابي للإسلام؛ لأن هذا الدين يحاسب المرء على ما في قلبه؛ فهو إذًا لا يكون منتسبًا إليه إلا برضاه.
في البدء كنتُ بَشَرًا:
مصطلح البشر - كما أفهم - يرمز للجانب المادِّيِّ العُضوي في الإنسان بشكل كبير، وهو حسب النمو العقلي للإنسان يكوِّن أول مرحلة مِن عقله في الطفولة، ففي سن المهد كنت لا أعرف إلا المادَّة، فالجوع، والألم الجسدي، والصوت المفزع هي أمور مادِّيَّة محسوسة، وهي فقط تحدِّد حزني وفرحي ؛ وفي طفولتي المبكرة بدأتُ تعلُّم بعض المعاني، وبدأ عقلي نموَّه؛ لكنه لا يزال حينها صغيرًا، فقد كنتُ أظن بأنني الوحيدة في هذا العالم، وليس لدي مهمة إلا حماية نفسي، وقضاء حاجاتي المباشرة فقط، وتمثَّلتُ بعض الأخلاق التي اكتسبتُها مِن بيئتي، لكنَّه تمثُّل محدود، وفي وجود مَن يراقبني ممن يراني ويسمعني وأهابه، وأخطئ في خلوتي، وأرى بأن استمتاعي بلحظتي التي أخطئ فيها أكثر من استمتاعي حين أترك الخطأ.
ثم بدأتُ أتحوَّل من البشرية إلى الإنسانية:
وفي طفولتي المتأخرة قبيل مراهَقتي أصبح سلوكي أكثرَ جديَّة، وبدأتُ أنسلُّ مِن عالم الماديَّة إلى الإنسانيَّة والأخلاق، وكنتُ في استعداد لتحمُّل المسئولية بعد أن قاربتُ الولوج إلى عالم الكبار المحاسبين عن أفعالهم، وازدادت رغبتي في كشف الحقيقة، حقيقة كل ما حولي، ومحاولة فهمه حتى أتعامل معه حسب توجهاتي الخاصة التي تميزني عن غيري، من غير تبعية لأحد لأنني كيان مستقل، ومخلوق جديد، وليس نسخة مكررة لأناس سبقوه.
بعدها لم أكتفِ بالإنسانية بل قصدتُ كمالها بالتديُّن:
وحينما راهقتُ، وتجرَّد تفكيري، وقبل أن أتساءل من أنا؟ ولماذا وُجدتُ؟ وماذا لي؟ وماذا علي؟ سألتُ نفسي سؤالًا أهم؛ وهو: مَن المخوَّل بإجابة هذه الأسئلة وغيرها؟
والناس لديهم مصالح ونواقص تجعلهم مثلي، وليسوا جديرين بإجابتي؛ لأنهم يفقدونها أيضًا، ويحتاجون مَن هو أعلى منهم، خالٍ مِن نقصهم؛ ليكون محايدًا، صادقًا، لا ينطق عن هوًى أو مصلحة.
فإذا ببعض المجتمعات، ومنهم مجتمعي يَدِينُون بدِين، ويقولون بأن هناك ربًّا للجميع، وأنه كامل، وليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء، وخالق وليس مخلوقًا، وغالب وليس مغلوبًا، ودائم وليس فانيًا، و.. و.. و..
قلتُ إذًا فمِن أين لي أن أتبين صدْقهم إن كانوا يقولون بأنه موجود وهو غير مرئي، فإذا بعقلي يجيبني بأن ليس كل ما أراه غير موجود كما كنتُ أظن في طفولتي، وحتى عقلي لستُ أراه، ولا ألمسه؛ لكن آثاره تخبرني بوجوده، وأيضًا لا يوجد شيء مِن غير سبب، وكلُّنا نرى هذا الكون العظيم يسير في نظام دقيق مِن غير أن يخبرنا عن خالقه؛ فهل يُعقل أن يوجد مصادفة! وإن صدَّقتُ أن الله موجود؛ فمِن أين أتى هو أيضًا!
قررتُ حينها أن أنظر في كتاب المسلمين ودستورهم "القرآن"، الذي يقولون: إنه كلام الله إلى الناس، فقلتُ: فرصة لا تعوَّض أن أجد مِن آثار ذلك الإله الذي يحدثونني عنه؛ فإن استطاع أن يقنعني بما لم يستطيعه كل الناس فسأُسلم له أمري بعد أن يثبُت لي صدقُه، وبعد تَقَصٍّ لمصدر الكتاب علمتُ بأن علماء المسلمين يتبعون بحثًا دقيقًا، وعِلمًا جديدًا يُسمَّى بـ "الأسانيد"، وهو يدرس اتصالَ النقلِ بين الرواة للقرآن، والقصصِ المتعلقة بالرسول وحديثه، ويبحثون صحة النقل، وينظرون في الناقل، وسمعته، وكل ما يتعلق به مما يثبت صحة قوله، وبهذه الطريقة خلَصوا إلى أن القرآن بالفعل وُجد في عهدٍ ما، وقصته مع العرب أنه أتى بلسانهم، وكان كاملًا وسائرًا على قواعد لغتهم مِن غير سقطات، أو هفوات، فأقنعني ذلك، وعلمتُ منه أن الله كامل؛ لأنه أتى بكامل؛ فآمنتُ به، وأصبح مصدر علمي، ومُجيبًا على أسئلتي، فأخبرني في كتابه عن أمور مِن الغيب لم يعرفها الناس إلا بعد إنزال القرآن بقرون.
وبأني أقل مِن أن أفْقه كلَّ شيء، وليس لي أن أسائل: مِن أين هو؟ وقال لي بأنه بَعَثَ محمَّدًا - عليه الصلاة والسلام - قدوة لي، وأكمَل بشَر، وآتاه معجزات تثبتُ نبوَّته، وله حق علي؛ لأنه عانى في سبيل إيصال رسالة ربي، وسبقه أنبياء ورسل انقضت عهودهم، وحرَّف أتباعُهم كتبَهم فلم تعد صالحة للتطبيق، ونُسِخَتْ في رسالة الإسلام، تعلمتُ مِن ذلك الكتاب الحرية حين قال لي: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، فجعلني أتديَّن بعد أن أقتنع، ويصدِّق عقلي، ويرتاح قلبي له، جماله أجبرني على حبِّه، وكماله أجبرني على اتِّباعه وتصديقه، الجميل الذي أشتاق لرؤيته، وأستلذُّ بلقاءاته، وأخشى سَخَطَه ويدفعني حُبي له لأن أحسب خطواتي بدقة، ولأنه معي دائمًا فلا فرصة لي بأن أفعل خطأً تحثني عليه نفسي الأمَّارة بالسوء، نعم أحبُّه لأنه ينقذني مِن شر نفسي، لأنه عالم بي، وشفيق علي، يعرف كيف يُربِّيني، ويجبر كسري وخطئي، ينقذني من حيرتي، يجعلني فاضلة بين الناس، يكفيني منه أنه يرزقني أركاني التي أعمل بها الخير، ويفتح لي طريق الخير الذي يسعدني، ويُريح ضميري، ثم يُجازيني على نعمته دارَ خلود تحوي كل ما أشتهي، حتى الكَدَر الذي أتكدَّرُه في دُنياي أُجازَى عليه أجرًا ومَثُوبة يوم القيامة.
فأيُّ سبب بعد ذلك يجعلني لا أتخذه محبوبًا ومعبودًا؟! أمرني أن أعطف على الناس؛ لأنه كرَّمهم كفَّارًا ومسلمين فالإنسان مهما يكن سيِّئًا فلديه مِن الخير ما يجعله يستحق التكريم، ثم إن عامَّة الناس وأغلبهم يحبون الفضيلة، ولا يحاسب أحدٌ أو يُذم إلا بعد الإنذار والعلم، والكفار المذمومون في القرآن هم المستكبرون على الله، الذين يجحدون نعمته بعد أن يعرفوها، وإلا فأنا أستفيد من غير المسلمين وأفيدهم، وأتحاور معهم حين نختلف، ولا يوجد بيننا صراع إلا حين أدفع ضررًا لا يدفع إلا بصراعهم بأدنى حد من إلحاق الضرر بهم، وهذا أمر متمثل في قوانين القتال في الإسلام، بل حتى مع الحيوان فقد أوحى الله في قرآنه بذبح الحيوانات التي تؤكل بالذكاة الشرعية التي تضمن خروج روح الحيوان أسرع من أي طريقة أخرى كالصعق الذي يعذب الحيوان قبل موته.
إذًا رضيت بالله ربًّا:
• لأن لكل شيء سبب وأقنعني بالدليل أنه مسبب الكون والأقدار، ولأنه محايد ليس له مصلحة تضرني؛ فهو أولى بالصدق والعدل والأمر والقيادة وتحديد المصالح والمفاسد.
• هروبًا من النقص إلى الكمال؛ لأن كل ما سوى الله ناقص ينتج نقصًا، وهو الوحيد الكامل الذي ينتج كمالًا .
• هروبًا من الفناء إلى الخلود؛ لأنه يكفل لي الخلود في الجنة، وأكمل طرق السعادة التي يقدِّمها البشر تكفل لي الدنيا فقط، ولا تحل مشكلة الفناء.
ورضيت بالإسلام دينًا:
• لأن مصدر تشريعه (القرآن) واحد، ولم يتعرض للتحريف، ولم يختلف الناس في صحته.
• لأن الله ارتضاه لي.
ورضيت بمحمد رسولًا:
• لأن الله وصَّاني بالاقتداء به.
ولولا ذلك لما رضيت بالله ربًّا، ولا بالإسلام دينًا، ولا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا.
_________________________________________________________
الكاتب: عائشة حمتا الأنصاري
- التصنيف: