عزيمة من حديد
كثير منا يتمنى أن يتوب وأن يرجع عن المعاصي، يتمنى أن يعود للإقبال على الطاعة كما كان في الماضي، يتمنى أمورًا كثيرة، لكنَّ العزيمةَ صفرٌ!
شهر رمضان بالنسبة لنا فرصة عظيمة لاختبار قوة العزيمة والإصرار، لكن بشرط أن يكون عندنا عزم على الإصلاح، والبعد عن كل سبب يمنعنا من التغيير، والابتعاد عن كل صاحب سوء أو أداة فساد، والحرص على مرافقة كل شخص يمكن أن يعيننا، ويساعدنا على الوصول إلى طريق السعادة والنجاة.
كثير منا يتمنى أن يتوب وأن يرجع عن المعاصي، يتمنى أن يعود للإقبال على الطاعة كما كان في الماضي، يتمنى أمورًا كثيرة، لكنَّ العزيمةَ صفرٌ!
كلها أمانيُّ لن تنتقل للواقع بدون إرادة وعزيمة صادقة؛ قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21]، وإن كانت هذه الأماني أول خطوة في طريق التغيير، لكن لا بد أن نكمل طريقنا ولا نقف عندها، فما كان التغيير يومًا بالأماني، وما دامت العزيمة من ورق، فليس هناك أمل، وحتى إذا كان لدينا عزيمة صادقة دون ترجمتها لفعلٍ، فما الفائدة؟!
إن الأمر لَتَحَدٍّ مع النفس، معركة بيننا وبين أنفسنا والشيطان، ونستطيع أن نربحها بكل بساطة لو كان عندنا إرادة، فلنغلق أعيننا ونتخيل فرحة الشيطان بهزيمتنا وانتصاره علينا، هذا وحده يكفينا حتى نحاول بكل قوتنا أن ننتصر عليه.
فماذا نفعل لتقْوَى عزيمتنا؟
حتى تقوى عزيمتنا لا بد أن نقوي صلتنا بالله سواء بالعبادات القلبية أو الفعلية؛ مثلًا:
1- تقوية عناصر الإيمان بالله وبصفاته العظيمة، وبقضائه وقدره، وصدق التوكل عليه، وحسن الظن به، والقراءة عن أسماء الله وصفاته ونشعر بمعناها.
2- تغيير نظرتنا للعبادات من مجرد تأديتها بشكل روتيني إلى الشعور بمعانيها؛ مثلًا نؤدي الصلاة ليس لمجرد التأدية، بل بانتظام وخشوع وخضوع لله، وهذه وسيلة تقوِّي إرادتك على مخالفة كثير من أهواء النفس، والصيام بالتزام تام واحتساب لله وسيلة لتقوية الإرادة، وهكذا في كل العبادات.
3- التزام الطاعة في كل ما أمر الله به، والبعد عن كل ما نهى الله عنه، وندرب أنفسنا عمليًّا على مقاومة أهواء النفس ومخالفة شهواتها، مع المسارعة إلى فعل الخير قبل وجود الموانع، أو قبل أن نشعر بالكسل بسبب الشيطان أو النفس.
4- كثرة الذكر، وتلاوة القرآن، والاستغفار، والدعاء.
5- الجد والحزم والانتظام والنظام، عن طريق تنظيم الوقت وعمل جدول مناسب، مع البدء بالأهم والتركيز عليه؛ حتى يصبح عادة نقوم بيها بشكل تلقائي وبكل سهولة.
6- عدم الحزن على ما فات، والنظر إلى الأمام دائمًا، مع جعل الأحلام مناسبة للقدرات، والبعد عما هو بعيد المنال مستحيل التنفيذ.
7- التفاؤل بالخير، والبعد عن التشاؤم، مع تمام حسن الظن في الله، واليقين بأننا نستطيع أن نتغير إذا استعنَّا بالله.
8- نضع دائمًا ابتغاء مرضاة الله عز وجل هدفًا أمامنا، مع التفكير في الجائزة العظمى؛ وهي الجنة وما أعده الله فيها للمتقين؛ ونتذكر دائمًا قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } [النازعات: 40].
ليس هذا فقط، بل نحتاج إلى بعض المحفزات:
1- الاستعانة بالله، والتضرع، والانكسار، والافتقار الدائم المستمر بين يديه، وسؤال الله أن يعيننا على "ذكره وشكره وحسن عبادته"، وغيره من الأدعية.
2- الإكثار من الاستغفار، فمن لزمه، جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وبُورك في وقته وعمره.
3- التقوى، وذلك بامتثال أوامر الله وتجنب نواهيه، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4].
4- القراءة عن الجنة وجمالها، وما أعده الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين فيها.
5- القراءة عن الصحابة والسلف الصالح، وعن عبادتهم لله، وأخلاقهم، وزهدهم في الدنيا، وتعلقهم بالله.
6- مصاحبة أصحاب الهمم العالية، فصحبتهم لها تأثير عجيب في التغيير من واقع الإنسان وأخلاقه وسلوكه.
7- القراءة في كتب فضائل الأعمال وما أعده الله لكل عمل من ثواب؛ حتى يكون لك حافزًا للمسارعة في الأعمال الصالحة؛ مثلًا: فضل قراءة القرآن، فضل قيام الليل، فضل الذكر ...
8- كثرة الشكر والحمد لله عند حصول نعمة دينية؛ فالله هو من وفَّقنا لها وسهَّلها علينا، وحبَّبها إلى قلوبنا؛ قال تعالى: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7].
لو عملنا بهذه الوصية في حياتنا، لحلَّت عندنا عقدًا كثيرة كنا نعاني منها، سواء أكانت تكاسلًا عن بعض الطاعات، أو حبًّا لبعض المعاصي، ثم نبدأ بعدها في أن نرتقي من حال لحال، باتباع هذا المنهج، وهو "التعود على المجاهدة".
التطبيق العملي:
جدد في قلبك الإيمان والتوبة دائمًا، واجعل لسانك رطبًا بذكر الله، مع البحث عن صديق يعينك على طاعة الله، وأداء العبادات في أوقاتها مع تخصيص وقت يوميًّا لـ:
• القراءة عن أسماء الله وصفاته.
• القراءة في وصف الجنة، وأنصحك بكتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لـ"ابن قيم الجوزية".
• القراءة عن فضائل الأعمال، وأنصحك بكتاب الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لـ"ابن شاهين".
- التصنيف: