فضائيات

منذ 2022-04-24

لو انصرف المشاهدون عن مشاهدة مثل هذه البرامج؛ لَمَا وجدتْ هذه البضاعةُ الفاسدة مَن يروِّجها

إن المسلم الحق يفرح فرحًا شديدًا بإدراك رمضان؛ ليستثمره في طاعة الله، ولكن بعض العادات الاجتماعية تستطيع - بقوة سلطانها على الناس - أن تغتصب من رمضان حقَّه في خلوص أوقاته فيما يرضي الله تعالى، ومن ذلك صرفُ كثيرٍ من الناس أوقاتًا طائلة في الجلوس بين يدي الشاشة الصغيرة، التي أصبحتْ بعد البث الفضائي تضع العالَمَ بين يدي جليسها من شرقه إلى غربه.


لقد أصبح فضاؤنا العربي والإسلامي ميدانًا لتنافسٍ شرس بين عشرات القنوات الفضائية المتزايدة يومًا بعد يوم، بينما مضامينها - إلا ما رحِم ربي - لا تزال تنهار من الناحية الفكرية والأخلاقية؛ فجُلُّ ما يُبَثّ دعايات فجَّة، ومواد خليعة تتاجر بغرائز المشاهدين، وتحتقر ذواتهم وعقولهم، وأي احتقار أشد وأنكى من أن تُعرَض الرذيلة دون حياء، وتلغى كل رقابة شرعية عن تلك البرامج، بحُجة أن المشاهد العربي المسلم لا يريد غير هذا المستوى الدنيء من البرامج، ولا تتدخل رقابة هذه الفضائيات إلا عندما تشاهد من الفاحشة ما يُقام عليه الحد، مع أن هذه القنوات تدرك يقينًا أنَّ المقبلات الجنسية التي تسمح بها، تكون عادة أقوى تأثيرًا ونفاذًا لاستثارة الغرائز الجنسية من الممارسة نفسها.


وتزداد صولة هذه الفضائيات في شهر رمضان، حيث تستعد ببرامجَ خاصةٍ تحت مسمَّيات كثيرة؛ مثل: الفوازير، والمسابقات، والمسلسلات، وكلُّها تشترك في هتك حرمة شهر الله المعظَّم، وفيما يسميه أحد كتابنا: "العهر الإعلامي"، وكأنَّما اختار منفِّذوها هذا الشهرَ المبارك ليصرفوا الناس عن العبادات، بِما يقدّمونه خلال برامِجهم من رقصٍ وعري وفجور يندى له جبين المسلم الغيور على دينه.


يقول الكاتب الغيور: "ولو انصرف المشاهدون عن مشاهدة مثل هذه البرامج؛ لَمَا وجدتْ هذه البضاعةُ الفاسدة مَن يروِّجها، ولَوجدتْ محطاتُ التلفزة المعنيَّة حالها مضطرة إلى تقديم البرامج النافعة، التي تَحترم وعي المشاهد، وتُراعي حرمة الشهر الكريم، وتحسن إلى المسلم بدلاً من أن تسيء إليه".


ويقول كاتب آخر: "من مجمل مشاهداتي هذه السَّنة خرجت بانطباع جازم؛ أن غالبية هذه القنوات لا تحترم عقولَ مشاهديها، ولا وقتهم، ولا تذوقهم البسيط، ولا المعنى العميق لوظيفة هذا الشهر الكريم في حياتنا، فلدى القائمين على إدارة وبرمجة هذه المحطات شعورٌ مستحكم أن جمهرة المشاهدين هم أناسٌ أقربُ إلى الجهل، وبسطاء لا يحتملون قدرًا من التركيز والجهد، وفارغون نفسيًّا ووجدانيًّا ينتظرون الأغاني والرقصات الموشاة بأجساد فرحة متمايلة؛ لكي تشبع أفئدتهم الفارغة، والقائمون أيضًا يعانون أنفسهم من الثقافة والمعرفة والهدف الذي ينطوي على هذه المحطات، وهم ضمن وعيهم الهزيل هذا لا يعترفون بأن عقل المشاهد أسمى قليلاً من هذه الفوضى من الألوان والأزياء والحركات".


أخي الصائم، لن أزيدك على قول هؤلاء الغيورين عليك، وأنت أغيرُ منهم على نفسك وأهلك وذريتك، فاحْمِ أسرتَك من هذا الاستخفاف بدينهم ومشاعرهم وعقولهم وقيمتهم، واتَّق الله أن تطيعه في النهار صائمًا, ويعود البعيد في الليل عاصيًا.


حماني الله وإياكَ من كل فتنة.

خالد بن سعود الحليبي

شاعر معروف وأستاذ مساعد في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 2
  • 0
  • 989

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً