دور الوالدين في بناء الشخصية
الأب والأم هما أول من يبني شخصية الولد، الأب والأم هما أول من يرسم مستقبل الإنسان .. هما أول من يعلم، ويربي، وهما أول من يقتدى به قولا وعملا
أيها الإخوة الكرام: إن من أهم صفات الإنسان أنه يؤثر ويتأثر..
يؤثر الإنسان فيمن يتعامل معهم، ويتأثر الإنسان بهم، سواء تعامل الإنسان مع إنسان، أو مع حيوان، أو مع طير، فتسرق طباعه من طباعهم، وتسرق طباعهم من طباعه، والغلبة لمن كان أقوى تأثيرا..
ولذلك ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» ". وهنا يتحدث رسول الله عن تأثر الإنسان بأخيه الإنسان .
وعن أبي هريرة أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ» .. ( الفدادون هم الرعاة والجمالون)، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ " وهنا يتحدث رسول الله عن تأثر الإنسان وتطبعه بطباع من يتعامل معه من الحيوان ..
المقصود: وما نود أن نقوله: هو أن الإنسان يؤثر فيما حوله سلبا أو إيجابا، وأن الإنسان يتأثر أيضا بما حوله وبما يتعامل معه سلبا أو إيجابا..
وإن أقوى تأثير في شخصية الإنسان: هو تأثير الوالدين..
فالأب والأم هما أول من يبني شخصية الولد، الأب والأم هما أول من يرسم مستقبل الإنسان .. هما أول من يعلم، ويربي، وهما أول من يقتدى به قولا وعملا، فالإنسان في ( الغالب) صورة مصغرة ومجمعة من صفات ومن طباع والديه وقديما قالوا: من شابه أباه فما ظلم..
ورحم الله من قال: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه..
قلت وأبلغ من هذا قول ربنا سبحانه وتعالى {﴿ وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذْنِ رَبِّهِۦ ۖ وَٱلَّذِى خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾}
ولعل من أوضح وأنصع مواقف التربية والتأثير بين ( الوالد والولد) والتي سجلها القرآن الكريم بين دفتيه في آيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ( قصة لقمان الحكيم)..
وردت قصة لقمان وولده في سورة سميت بسورة ( لقمان) وقد نزلت هذه السورة بمكة قبل الهجرة..
هو لقمان بن عنقاء قال: سعيد بن المسيب : كان لقمان من سودان مصر وقد أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة..
وقيل: كان لقمان رضى الله عنه قاضيا في زمان داود عليه السلام.
قيل له يا لقمان ما بلغ بك ما بلغت من الحكمة وقد كنت غلاما أسود ترعي الغنم؟!
قال ب( غض بصري) و( حفظ فرجي) و( وفائي بعهدي) و( حفظي جاري) و( إكرامي ضيفي) و( صدق حديثي) و(أداء أمانتي) و( وترك ما لا يعنيني)
تزوج لقمان رضى الله عنه ورزق ( ولدا ) فكان أحب الناس إليه، وكان أشفق الناس عليه، فرباه وهذبه وأدبه وأعطاه عصارة تفكره وتدبره فلم يمل الحديث معه ( فوعظه) وسعى ليبني ( شخصية) ولده على تقوى من الله ورضوان، وكانت مهمة لقمان عسيرة إذ أنه ورد أن زوجة لقمان وولده منها كانا لا يدينان بالإسلام..
فلم يزل معهما حتى آمنا، من هنا كان أول كلامه أن قال: ونعم ما قال:
{ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
ثم تابع فقال {( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)}
قيل : إن هذا مما أوصى به لقمان ابنه أخبر الله به عنه ..
ثم تابع وعظه فقال:{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}
بهذه الكلمات الطيبات بنى لقمان الحكيم شخصية ولده، بناها على تقوى من الله تعالى وإيمان ورضوان، بنى شخصية ولده على التوحيد الخالص لله رب العالمين {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
بنى شخصيته على الإحسان إلى والديه ولو لم يكونا مؤمنين
{( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)}
ثم وثق صلته بربه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} )
ثم تمم بناء شخصيته بالدعوة إلى التحلي بمكارم الأخلاق والبعد عن المساوئ ( { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} )
الشاهد من قصة لقمان الحكيم: بيان أن أول ( مؤثر) تأثيرا إيجابيا في شخصية الإنسان هو أبوه، فهو أول قدوة، وأول معلم، وأول مربي..
فبالتربية المستمرة ، وبالتعليم الدائم، وبالتوجيه المتواصل، وبتقديم القدوة الحسنة، تبنى الشخصية السوية، وتبني النفس المتزنة، ويثبت الإيمان، وتهذب الأخلاق، وتكتسب الفضائل، وتؤلف العبادة، ويعتاد الخير، ولا يبدع في مثل هذا مثل الأب، فهو أول مؤثر في شخصية أولاده، وما قصة لقمان الحكيم إلا مثل من الأمثلة..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا، وأن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير....
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن دور الوالدين في بناء شخصية الإنسان وتأثر الإنسان بما يرى من أفعال والديه وبما يسمع من أقوالهما ، بقى لنا أن نقول:
إذا كان لقمان الحكيم قد أثر في شخصية ولده إيجابا حين أخذ بيده إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، وإلى محاسن الأخلاق والأعمال.. فإن من الآباء والأمهات من يؤثر في شخصية أولاده سلبا، حين يأخذ بأيديهم إلى الكفر والفسوق والعصيان، وكم من أب جنى على أولاده وكم من أم جنت على أولادها..
الدليل:
حديث قَالَ فيه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟»
قال أَبُو هُرَيْرَةَ راوي الحديث: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} .
فطرة الله في هذه الآية {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } هى الإسلام لله رب العالمين..
فلو أن ( مولودا) ولد فلم يعبث أحدهم بعقله ولم تقدم له قدوة سيئة ولم يشوه أحدهم فطرته ولم يضلله أحد لاهتدى ذلك المولود بفطرته التي فطر الله الناس عليها إلى الإسلام الخالص لله رب العالمين..
يولد الإنسان على الميثاق الأول الذي أخذه الله تعالي عليه حين أخرجه من صلب آدم ، وأشهده على نفسه وأنه إذا مات قبل أن يبلغ دخل الجنة سواء كان من أولاد مسلمين أو كان من أولاد غير المسلمين .
{﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ ۛ أَن تَقُولُوا۟ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰفِلِينَ ﴾}
الشاهد: بيان أن الوالدين قد يأخذان بيد الإنسان إلى جنة عرضها الأرض والسموات، حين يكون تأثيرهما على ولدهما إيجابيا، وطاعة الولد للوالد في مثل هذا طاعة لله تعالى، وما لقمان وولده على ذلك إلا مثل من الأمثلة ..
والوالدان: قد يأخذان بيد الإنسان إلى نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى، وذلك حين يكون تأثيرهما على ولدهما سلبا، وفي الحديث
" « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ» "..
ومعصية الوالدين في مثل هذا طاعة لله تعالى، وأم سعد بن أبي وقاص مثل من الأمثلة قالت : يا سعد لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي ويقال يا قاتل أمه..
فلم يسمع لها سعد، ولم يتأثر سلبا بما تقول فأنزل الله تأييدا له هذه الآية { وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ۚ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وان يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين إنه ولي ذلك والقادر عليه..
- التصنيف: