تبّت يدا من يحرق المصحف
قام متطرف يميني بحرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية ستوكهولم، وسط حراسة أمنية مشددة وبتغطية إعلامية واسعة
في الوقت الذي تنشغل فيه أوربا بالحرب الدائرة في أوكرانيا، قام متطرف يميني بحرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية ستوكهولم، وسط حراسة أمنية مشددة وبتغطية إعلامية واسعة، في مشهد ليس له هدف غير إظهار العداء للقرآن والكراهية للمسلمين ودينهم.
السلوك الإجرامي تم بموافقة صريحة من الحكومة السويدية التي تتكون من ائتلاف يضم المتشددين من اليمين المتطرف الذي يعادي المهاجرين والمسلمين، والغريب أن الذي ارتكب الجرم الشنيع زعيم حزب “الخط المتشدد” الدنماركي، وهو شخص أحمق اعتاد المجاهرة بحرق كتاب الله في السنوات الأخيرة.
قد يبدو أن موافقة الحكومة السويدية على الإساءة جاءت في إطار الخلاف مع تركيا التي ترفض انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بسبب مساندة ستوكهولم لحزب العمال الكردستاني والجماعات الكردية المسلحة التي تنفذ عمليات إرهابية في الداخل التركي، ولكن القرآن الكريم هو الكتاب المقدس لمليارَي مسلم وليس للأتراك وحدهم، كما أن هذا الفعل الإجرامي تكرر من الشخص نفسه وفي السويد من قبل أكثر من مرة.
الحقيقة أن الكثير من السياسيين المتطرفين في أوربا قد فقدوا عقولهم، ولا يعرفون أن الدين والكتب السماوية فوق الخلافات والصراعات، ورغم الإنترنت وثورة المعلومات فإنهم لم يحدّثوا معلوماتهم، ولم يغيّروا مواقفهم العدوانية التي توارثوها منذ الحروب الصليبية، ويتحركون بقلوب تمتليء بالحقد والغل والكراهية تجاه الإسلام.
هؤلاء المتطرفون لا يفهمون أن العالم اليوم قد تغيّر، وتلاشت الحواجز التي عاشها العالم القديم، واختفت الفواصل والخنادق بين الشعوب والأعراق، ولم يعد هناك دولة ليس بها مسلمون، معظمهم مواطنون وليسوا مهاجرين أو غرباء كما يصورون لتبرير مواقفهم المعادية، التي تتناقض مع قيم التسامح والتعايش، ولا يبالون بمراعاة التنوع داخل مجتمعاتهم الهادئة والمستقرة.
حقد اليمين المتطرف على الإسلام
كانت الحكومات الأوربية تتهرب من المسؤولية بمزاعم احترام حرية الرأي والتعبير، فكانت حملات الإساءة تُنسب إلى من قاموا بها، مثل إساءات خيرت فيلدرز في هولندا، والرسوم المسيئة التي نشرتها صحيفة يولاندس بوستن في الدنمارك، والتطاول على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في فرنسا، لكن هذه المرة نحن أمام موقف حكومي عدواني واضح.
هذه النقلة في العداء ناتجة عن صعود حركات اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوربية، ويلعب السياسيون المتطرفون على تخويف الشعوب الغربية من تدفق المهاجرين، خاصة منذ عام 2015 مع هجرة السوريين إلى أوربا، بسبب خراب سوريا الناتج عن تدخّل الجيوش الغربية لمنع الشعب السوري من حكم نفسه.
لقد نجحت الأحزاب اليمينية في توسيع نفوذها، وتتحالف هذه الأحزاب في دول أوربا مع بعضها بعضا، وتتساند معا في افتعال معركة مع الإسلام والمسلمين، وبسبب الخشية من فقد الأصوات الانتخابية يتحاشى السياسيون المعتدلون التصدي للتطرف أو الاعتراض بوضوح على هذه التيارات الهدامة.
رد الفعل الإسلامي
مع كل تطاول أو إساءة يكون رد الفعل الإسلامي شعبيا ومتفرقا، وحتى الآن لم نر ردود أفعال رسمية في العالم الإسلامي تتناسب وهذا التصعيد الإجرامي ضد مقدسات المسلمين، بل حتى الشجب والاستنكار الذي كنا نراه في السابق بدأ يخفت ويكاد يظهر على استحياء، وهذا الرد الضعيف زاد المسيئين جرأة.
منذ سنوات يطالب المصلحون وزعماء المؤسسات الإسلامية بالتدخل الرسمي لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا والتصدي لحملات العداء للإسلام، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالكثير من حكام المسلمين يشاركون في هذه الحملات المعادية بشكل غير مباشر بمزاعم محاربة الإرهاب، لأسباب تخصهم للحفاظ على كراسيهم!
إن لم يحدث تغيير في طريقة رد الفعل وصدور عقوبات مؤثرة على المسيئين والحكومات المؤيدة لهم، فإن العالم سيدخل مرحلة صليبية جديدة لها بُعد شعبي، ظاهرها كراهية المهاجرين وباطنها مكافحة الإسلام، وهنا تأتي المسؤولية المشتركة بين المسلمين (في الغرب والعالم الإسلامي) والمنصفين في الغرب الذين يرفضون هذا التطرف.
نتمنى أن ينتقل العالم الإسلامي من مرحلة الشجب والاستنكار إلى مرحلة التصدي بسياسات وقرارات مؤثرة، وهنا يأتي دور المؤسسات الرسمية والحكومات التي ما زالت تحترم ثوابتها (حتى وإن كان عددها قليلا) للتحرك بشكل جماعي، واستخدام ثقلها السياسي والاقتصادي لوضع استراتيجية لمواجهة حملات التطاول على مقدسات المسلمين.
***
القرآن محفوظ إلى يوم الدين، ولن يتأثر بألعاب الحمقى الصغار، وإن ظن الكارهون أنهم يحققون مكاسب بمثل هذه التمثيليات الساذجة والإساءات الصبيانية فهم واهمون، فقد سبقهم كثيرون وخسروا وانتصر المصحف، فالقرآن أعظم كتاب في الوجود منذ خلق الله آدم، وهو منصور في كل الأحوال لأنه كتاب الله.
المصدر : الجزيرة مباشر
- التصنيف: