الزوج العاطل
إن خروج الزوج للعمل يمثل ركيزة وقيمة معنوية لا يُستهان بها للزوجة والأولاد، فهم ينتظرون منه تأمين احتياجاتهم من مأكل ومسكن وملابس وألعاب وترفيه...
الزوج هو عماد البيت، والركيزة الأساسية التي يستند عليها الكيان الأسري، وقد درجت العادة على خروج الزوج للعمل في الصباح الباكر، وأن تظل الزوجة في البيت ترعى شؤون بيتها وأولادها، قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وهنا اتفق الفقهاء على أنَّ نفقة الزوجة واجبةٌ على زوجها، وهي حقٌّ من حقوق الزوجة المترتبة على الزوج.
لكن مع اختلاف إيقاع الحياة، وخروج المرأة للعمل لتكون سندًا لزوجها في التغلب على بعض الأزمات المادية، وجب على الزوجين العاملين أن تكون لهما آلية واتفاق في تسيير شؤون الأسرة بكل جوانبها بما في ذلك الناحية المادية؛ كأن تسهم الزوجة بجزء من راتبها في أداء النفقات التي قد تستعصي على قدرات زوجها.
تقول أم لمياء: زوجي عاطل عن العمل منذ سنة، وهو إنسان طيب وله مواقف معي لا أنساها، وأنا موظفة؛ لكني تعبت من تحمُّل المسؤولية وحدي، خاصةً بعد أن رُزِقت بطفلة، تكفَّلتُ بكامل مصاريف المنزل مدة عامين ولم أغضب أو أحزن لحظةً، أردتُ تهوين الواقع عليه؛ لكنه أصبح إنسانًا عصبيًّا جافًّا جارحًا بالكلام، لا يُقدِّر تعبي ومراعاتي له وللطفلة، يهرب دومًا من البيت ومن خلافاتنا، مرَّ شهران وأنا في بيت أهلي، لم يسأل عني أو حتى عن طفلته، يتَّهِمُني أني أتعمَّد الهروب منه حتى يتورَّط في متطلبات البيت والإيجار والفواتير، أنا لا أنكر أنني أهمل زوجي أحيانًا بسبب التعب والإرهاق وضغط العمل ومتطلبات المنزل ورعاية الطفلة، ماذا أفعل؟
إن خروج الزوج للعمل يمثل ركيزة وقيمة معنوية لا يُستهان بها للزوجة والأولاد، فهم ينتظرون منه تأمين احتياجاتهم من مأكل ومسكن وملابس وألعاب وترفيه، فإذا أصبح الزوج عاطلًا أو فُصِل عن عمله لأي سبب كان، ثم رضي أن يتخلَّى عن دوره ويأخذ مصروفه من زوجته أو من والديه، فإن العواقب والنتائج ستكون سلبية عليه وعلى أسرته.
يقول أبو عادل: بعد أن خسرت عملي انتابني شعورٌ بالنقص، وكثيرًا ما أتحسَّر على حالي، خاصةً عندما أرى أصدقائي يتأهَّبُون للتوجُّه إلى أعمالهم وأنا جالس في البيت لا شغل لي سوى الجلوس أمام شاشة التلفاز، تدهورت حالتي النفسية؛ لكثرة متطلبات أولادي، وكثرة معاتبتهم لي؛ لتقصيري في إخراجهم للتنزُّه أو تأمين احتياجاتهم؛ بل فقدت احترامي منهم بسبب استغلالي لوالدتهم واتِّكالي عليها، أصبحتُ قدوةً سيئةً لبعضهم، فقلَّ حماسُهم للدراسة والتعليم والاعتماد على أنفسهم، دائمًا يقارنوني بآباء زملائهم، هذا ضابطٌ وهذا مُعلِّم وهذا طبيب، أشعر أنهم يكرهونني بسبب أني عاطل عن العمل.
ولعلاج مثل هذه المشكلة أقول لكل رجل وامرأة التالي:
• بداية عدم الاستعجال بتزويج الرجل حتى يتم تأمين وظيفة مقبولة أو تجارة تُدخِل عليه ما يكفيه ويكفي أسرته المستقبلية.
• السؤال عن الشاب قبل تزويجه، فلا يكفي أن يكون والده غنيًّا، أو أنه أحد أقاربها؛ بل علينا بالسؤال عنه وعن دينه وأخلاقه وعمله وشخصيته.
• اسألوا أنفسكم: هل تزوَّجها؛ لأنها موظفة حتى تنفق عليه؟ وإلى متى ووالده ينفق عليه؟ متى يكون رجلًا يُعتمَد عليه ويتحمَّل المسؤولية؟
• البحث عن وظيفة مناسبة أو فتح محل تجاري يكون له باب رزق.
• تطوير ذاته ومهاراته وذلك بحضور برامج تدريبية متخصصة.
• الاستعانة ببعض المستشارين والمتخصصين لمساعدة الزوج على تخطي المشكلة.
• جلوس الزوجين كل منهما مع الآخر والاتفاق على طرق يمكن من خلالها تجنُّب أو على الأقل تقليل الصراعات التي تأتي مع ضغوط البطالة.
• مساعدة الزوج على التعامل مع البطالة على أنها حالة مؤقتة، وأنه سيجد – بإذن الله - وظيفةً جديدةً في النهاية؛ ولكن عليه أن يُركِّز ويحافظ على صحَّتِه.
• اطِّلاع الأولاد على الوضع الجديد مُهِمٌّ جدًّا، مع التخطيط معهم حول الأوليات والأمور المالية الضرورية، إلى أن يجدوا حلًّا للنفقات، وكيف يمكن للجميع المشاركة في تخفيف التوتر.
• تجنب التفكير السلبي مع الزوج للتخفيف من آثار الاكتئاب، مع تعزيز الثقة بالنفس، والخروج مع الأسرة لقضاء أوقات ممتعة.
أسأل الله أن يُصلِحَ الشباب والفتيات، وأن يجمع بين قلوب المتزوجين والمتزوجات على طاعة الله والحُبِّ والتواصُل السليم، وأن يُخرِج من تحت أيديهم مَنْ يعبد الله على الحق، وأن يجعل أولادهم لَبِناتِ خيرٍ على المجتمع والوطن، وصلَّى الله على سيدنا محمد.
______________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش