الانتصار للنبي المختار والتحذير من موالاة الكفار

منذ 2023-02-16

لقد أخبر الحق عز وجل ما يجب أن يكون عليه حقيقة المسلمين، وهو الموالاة والمناصرة بين جميع طوائفهم، هذا الواجب الشرعي والأصل الإيماني...

الحمد لله الذي رفع ذكر نبيه في العالمين، وجبل على محبته قلوب الصالحين، ووصف أعداءه بالمجرمين، وأوجب جهادهم على المؤمنين، والصلاة والسلام على من خاطبه ربه بقوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، صلى الله عليه وعلى آله الذين ناصروه في الجاهلية والإسلام، وضحوا في سبيل نصرته بالأخوال والأعمام، وعلى صحابته الذين فدَوه بالأرواح والأموال، وبذلوا من أجله وأجل دينه كل رخيص وغالٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

أوصيكم - عباد الله - ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا الله حق تقواه؛ أما بعد عباد الله:

فيقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31]؛ أي: كما وُجد لك أعداء من مجرمي قومك، فإنا قد جعلنا لكل نبيٍّ من قبلك أعداء من مجرمي قومهم، ولكن كان يكفيهم أن الله كان لهم هاديًا ونصيرًا على أعدائهم، وكذلك أنت؛ وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]؛ أي: وكما عاداك شياطين قومك بما أوحاه إليهم شياطين الجن، كذلك الرسل عاداهم شياطين أقوامهم، ولله في ذلك حِكَمٌ، وإلا لو شاء ما فعلوه، فذرهم – أي: اتركهم - وما يفترون، فالله كافيك، والعاقبة لك ولدينك.

 

عباد الله:

إذا كان جميع الرسل والنبيين قد انتصب لهم أعداء من أقوامهم الذين بُعثوا إليهم خاصة، فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم وخاتمهم، ومبعوث إلى الناس كافة، سيكون له من العداء ما هو أكبر، ومن الأعداء أكثر، وهذا ما حفلت به سيرته، وحفل به تاريخ دينه وأمته إلى يومنا هذا، وما هذه الإساءة إلا حلقة من تلك الإساءات، وقد كشف الله حقيقة موقف أهل الكتاب؛ اليهود والنصارى منه؛ بقوله جل وعلا: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120]، وأبان سبب ذلك الحرب والعداء؛ وأنه الحسد؛ فقال تبارك وتعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109]، هذه هي الحقيقة الثابتة موقف أهل الكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم وأمته الحسد المورِث للعداوة، ظهر ذلك يوم ولادته، وأثناء رضاعته، وإبان رحلته إلى الشام في تجارته، وازداد واستقر بعد بعثته وهجرته؛ فحاولوا القضاء عليه وعلى دينه؛ حينًا بمحاولة الاغتيال، وتارةً بالسحر، وأخرى بالسموم، وفي كثير من الأحيان بتأليب الأعداء عليه أو بسبه وشتمه والكذب عليه، وما زال ذلك عبر التاريخ إلى يومنا هذا، ليس على ألسنة وأقلام الجهلة والسفهاء منهم فقط، ولكن في كثير من الأحيان على ألسنة كبرائهم وبابواتهم، وما إساءة البابا الحالي عنا ببعيدٍ؛ حيث نقل كلامًا قبيحًا لأحد الأعداء السابقين مُقِرًّا له؛ يقول فيه: "أرِني ماذا قدم محمد من جديد، ولن تجد إلا أمورًا شيطانية وغير إنسانية، مثل أوامره التي دعا إليها بنشر الإيمان عن طريق السيف"، هذا هو موقف النصارى، واليهود أشد وأخبث؛ قال الله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].

 

عباد الله:

إن هذه العداوة، وهذا الموقف اللئيم الذي وقفوه من الإسلام ونبيه الكريم، لم يستطيعوا إخفاءه رغم ما يتشدقون به، وما أعلنوه من قيم الحرية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، إن هذه المبادئ إنما هي لهم، ولمن يخشونهم من الأمم الأخرى، من بوذيين وهندوس وملاحدة، أما المسلمون، فلا نصيب لهم منها، لماذا؟

 

لأن تلك الأمم تقف معهم قياداتهم وحُكَّامهم، وتتصدى للحلف الغربي اليهودي والنصراني، ويصنعون لأنفسهم من وسائل القوة المادية والمعنوية ما يجعل الغرب يحسب لهم حسابات خاصة، ويتردد قبل أن يسيء إليهم، أما المسلمون، فإن قادتهم وحكامهم قد أصابهم الذعر، وأُلبسوا ثوب الخزي والهوان، خشوا الناس أشد من خشية الله، أرضوا الناس بسخط الله، فوكلهم الله إلى أنفسهم، وسلط الناس عليهم، قلبوا الحقائق؛ فصاروا كما قال المتنبي:

يرى الجبناء أن العجز عقل  **  وتلك خديعةُ الطبعِ اللئيمِ 

 

لأنهم قد ضعُف إيمانهم بالله، وقلَّ اعتمادهم عليه، ركنوا إلى أعدائهم ومن يتربص بهم الدوائر، ويريد بهم الهلاك: {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52]، ظنوا العزة في إرضاء أولئك الأعداء الأذلاء، فأرضوهم، وخضعوا لهم، وأكرموهم، ونسَوا حكمتهم العربية القائلة:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته  **  وإنْ أنت أكرمتَ اللئيم تمرَّدا 

 

وقد ذمَّ الله تعالى من سلك هذا المسلك؛ فقال: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 138 - 140]، ودلَّ على مصدر العزة الحقة؛ فقال جل وعلا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]،فليطلبها بطاعته سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]، عجيب أمر هؤلاء الذين يعكسون الأمور، ويذهبون إلى الخلاف الصريح لأمور وتوجيه وتقرير العليم الخبير، يصدقون أهواءهم وظنونهم وشياطينهم، ويكذِّبون رب العالمين، بل ذهبوا أبعد من ذلك؛ حينما أظهروا قناعتهم بأن هؤلاء الكفار أصدقاء، وحاولوا تكريس ذلك في شعوبهم من خلال تكرار هذا التقرير بأن هؤلاء أصدقاء، اليهود عند البعض أصدقاء، والنصارى عند الجميع أصدقاء، والأمريكان والإنجليز والدانمركيون الجميع أصدقاء، ويجب - يا شعب - أن تصدق أنهم أصدقاء؛ والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 118، 119]، هذه طبيعة العلاقة بيننا وبين القوى الكافرة المستكبرة، وهكذا يجب أن نكون إن كنا نؤمن بهذا الكتاب العزيز.

 

عباد الله:

إنهم في كل مناسبة يقولون: إن المسلمين ينشرون كل ما يؤدي إلى الكراهية بين الأمم، فهل هذا صحيح، أو الصحيح أنهم هم من يفعل ذلك بأفعالهم وأقوالهم، بجيوشهم وإعلامهم، وأخيرًا بفنهم الرخيص الهابط؟

رسم الدناءة من دناءة نفســـــه  **  وأبانَ ما يخفيه من إحســاسِ 

إن اليراع معبر ومترجِــــــــــــم  **  عما توارى في صدور النـــاسِ 

وأبان ما رسموه من صور الخنا  **  ما في ضمائرهم من الأرجاسِ 

 

وصدق الله القائل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].

 

لقد قرر القرآن الكريم ما يجب أن يكون عليه المسلمون من الولاية والمناصرة، والأُلفة ورصِّ الصفوف، وتوحيد الكلمة؛ فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 72، 73]، لقد أخبر الحق عز وجل ما يجب أن يكون عليه حقيقة المسلمين، وهو الموالاة والمناصرة بين جميع طوائفهم، هذا الواجب الشرعي والأصل الإيماني، يقابله أمر ثابت محقق، وهو أن الكافرين في مواجهة المؤمنين بعضهم أولياء بعض؛ أي: إنهم يتعاونون ويجتمعون، وينصر بعضهم بعضًا في مواجهة المؤمنين.

 

فإن أدرك المؤمنون هذه الحقيقة، وعملوا بها، ووالى بعضهم بعضًا، ونصر بعضهم بعضًا، وقاتلوا المشركين كافة، كما يقاتلونهم كافة، دفع الله عنهم الفتنة والفساد الكبير، وإلا فإن الفتنة محيطة بهم، والفساد الكبير مدمر حرثهم ونسلهم، وهذا ما نشاهده اليوم.

________________________________________________________

الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم

  • 1
  • 0
  • 696

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً