أولادنا والاستراحات

منذ 2023-08-01

يشتكي كثير من الآباء والأمهات من إفرازات هذه الاستراحات، من ضياع وقت ودخان، وأفلام وألعاب، وقنوات فضائية، وأصدقاء سوء، ورغم أنها تمتص فراغ الشباب، فإنها أبعدتهم عن الأسرة والأولاد والمجتمع.

انتشرت في أوساط الشباب والفتيات ما يُعرَف بالاستراحات أو الديوانيات؛ وهي أماكن يقضي فيها الشباب أوقاتهم من أجل الترويح عن النفس، أو تغيير روتين المنزل، أو روتين الدراسة، أو العمل، ويكون الاجتماع فيها يوميًّا، أو نهاية كل أسبوع، والغالب أن عدد الشباب لا يتجاوز العشرة أو العشرين، تجمعهم اهتمامات متجانسة، أو هوايات مشتركة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»؛ (رواه أبو داود)، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبةً، ونافخ الكير إما أن يُحْرِقَ ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثةً»؛ (رواه البخاري).

 

أيها الآباء، وأيتها الأمهات، يشتكي كثير من الآباء والأمهات من إفرازات هذه الاستراحات، من ضياع وقت ودخان، وأفلام وألعاب، وقنوات فضائية، وأصدقاء سوء، ورغم أنها تمتص فراغ الشباب، فإنها أبعدتهم عن الأسرة والأولاد والمجتمع.

 

يقول أبو خالد: "أصبحت لا أرى ابني إلا في آخر الليل، أو عند الذهاب للمدرسة، أيام وأسابيع لا نجتمع فيها إلا دقائق معدودة، كلما سألته: أين أنت؟ قال: مع أصدقائي في الاستراحة، كبِرَ ولدي، وصرت أخاف عليه من أصدقاء السوء، خاصة أني أراه مهملًا ومقصرًا في صلاته، وفي لباسه، وفي مساعدته وخدمته لنا".

 

وتقول أم ليلى: "ابنتي تخرجت من الثانوية، وكثُر خروجها مع صديقاتها، صديقتها تملك سيارة، وتخرج معها بحجة الترفيه أو التسوق، أو رؤية بعض الزميلات، اكتشفت مؤخرًا أنهن يجتمعن في ديوانية إحدى البيوت مع زميلاتهن، ماذا أصنع معها؟ هل أمنعها من الخروج؟ هل أخبر والدها؟ أخشى عليها من صديقات السوء".

 

أيها الآباء، أنا لا أدعو إلى إلغاء الاستراحات أو الديوانيات، أو منع الشباب والفتيات من التزاور والاجتماع بعضهم مع بعض، وكَبْتِ الطاقات ومنع الترفيه، ولكن أدعو إلى ضبطها وتنظيمها، والاستثمار النافع لشبابنا وفتياتنا.

 

ونحن - كآباء وأمهات - مسؤولون أمام الله والمجتمع عن شبابنا وفتياتنا، علينا أن نقف وقفة مع أنفسنا ونسألها: لماذا يذهب الشباب إلى هذه التجمعات؟ ولماذا يغلب عليها السلوكيات السيئة؟ أين دورنا؟ ولماذا لا نستثمر طاقات الشباب والفتيات بشيء نافع؟ لماذا الهرب من مسؤوليات الأسرة؟ لماذا العزوف عن التجمعات العائلية والابتعاد عنها؟ لماذا أصبح التكاسل عن الصلوات جماعة، أو في المسجد، هي الصفة السائدة؟ أسئلة كثيرة تحتاج منا الصدق مع أنفسنا، والبحث عن إجابة حقيقية، حتى نستطيع إصلاح ما تبقى، والحفاظ على الموجود، ثم الارتقاء بشبابنا دينيًّا وسلوكيًّا، وعلميًّا واجتماعيًّا.

 

ولعلاج هذه المشكلة، أنصح الآباء والأمهات والمربِّين بالآتي:

• تربية الأولاد منذ الصغر على القيم والأخلاق الحسنة.

 

• اصطحاب الشباب والفتيات معنا إلى اللقاءات الأسرية، وتنمية خلق صلة الرحم، وتذكيرهم بالأجر المترتب عليها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «من أحبَّ أن يُبسَط له في رزقه، ويُنسَأ له في أثَرِه، فلْيَصِلْ رَحِمَهُ»؛ (رواه البخاري).

 

• أن نكون قدوة صالحة، في خروجنا ودخولنا للمنزل، وعلى أوقات النوم والطعام والصلاة.

 

• الابتعاد عن المشاكل الأسرية، ومحاولة إصلاح الخلافات بعيدًا عن الأولاد.

 

• الحرص على الصحبة الصالحة، ومساعدتهم في اختيار الأصدقاء الصالحين، مع تشجيعهم على بعض البرامج الثقافية والدينية والتطوعية.

 

• عند حدوث مشكلة، لا تعاقبهم بالحرمان، أو منعهم من أصدقائهم الصالحين، أو السخرية أمامهم، أو منعهم من الخروج للصلاة، أو من زيارة الأسرة، كل هذا ومثله سيُولِّد لدى الشاب كرهًا لهذه القيم، والبحث عن البديل، ولو كان سيئًا.

 

• تجهيز مكان في البيت يشبه الاستراحة والديوانية يقضي فيها الشباب مواهبهم، وأوقات فراغهم وألعابهم، وهم بين عينيك وتحت مراقبتك.

 

• تحديد زمن معين ويوم معين في الأسبوع أو في الشهر، عند رغبتهم للخروج.

 

• ألَّا يتعارض الذهاب للاستراحة عن الواجبات؛ مثل: الأسرة، والدراسة، والتجمعات العائلية، والعبادات.

 

• وضع قوانين تحكم المجتمعين في الاستراحة يتم الالتزام بها من الجميع؛ مثل: الابتعاد عن التدخين والشيشة، وترك المحرَّمات اللفظية والفعلية، والابتعاد عن مناقشة الأفكار والمواضيع التي تخالف الدين والوطن والمجتمع.

 

• استضافة بعض أولياء الأمور للاستفادة من تخصصاتهم وخبراتهم، ومناقشة بعض الموضوعات التي تهُمُّ الشباب.

 

• التعاون مع بعض الجمعيات الأهلية، والفرق التطوعية التي تخدم المجتمع والوطن.

 

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح لنا ولكم الذرية، هذا، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.

___________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش

  • 2
  • 0
  • 271

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً