هذا بلاغ للناس
وأنا أكتب هذه السطور تُغير طائرات أميركا مع الصهاينة اليهود وتحيل مستشفيات غزة بما فيها من أطفال وشيوخ ومرضي إلى أكوامٍ من الرماد، ولا نسمعُ كلمةَ حقٍّ تقال باسم الإسلام.
هذا بلاغٌ من الله للبشريةِ عامَّةً، وللمسلمين العرب خاصَّةً الذين عهد الله إليهم بالرسالة الخاتمة للبشرية، وإنقاذ البشرية من براثن الشركِ والدينونة لغير الله، وردع الظالمين الذين يستبيحون كل المحرمات.
لكنهم أهملوا هذه المهمة وتلاهوا بعرض الدنيا الزائل، وتفتت الدعوة الإسلامية إلى فرق وقبليات وجماعات تتسارع فيما بينها على الزعامات والقيادات، وأطلقوا على أنفسهم أسماء وشعارات ورفعوا رايات؛ ليتميز كلٌّ منهم عن غيره، وهذا مخالف لحقيقة الإسلام ومخالف لحقيقة كلمة التوحيد التي أراد الله لهم أن يرفعوا أنفسهم بها، ولكنهم أخلدوا إلى الأرض، بتفرقهم وتناحرهم وقتال بعضهم بعضًا، بل إنهم تحالفوا مع أعداء الله لنصرتهم على غيرهم من بني جلدتهم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألتُ ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتينِ، ومنعني واحدةً؛ سألتُ ربي أنْ لا يُهْلِكَ أمتي بالسَّنَةِ، فأعطانيها، وسألتُهُ أن لَّا يُهْلِكَ أمتي بالغرَقِ، فأعطانِيها، وسألْتُهُ أن لَّا يَجْعَلَ بأسَهم بينَهم، فمنَعَنِيها»؛ ( صحيح الجامع).
والآن وأنا أكتب هذه السطور تُغير طائرات أميركا مع الصهاينة اليهود وتحيل مستشفيات غزة بما فيها من أطفال وشيوخ ومرضي إلى أكوامٍ من الرماد، ولا نسمعُ كلمةَ حقٍّ تقال باسم الإسلام.
لقد شاهدت الآن صور أب يحمل أشلاء أبنائه من المستشفى في أكياس بلاستيك، فهل بعد ذلك من فظاعة العدوان وتخاذل المسلمين... هناك مشاهد لا يتصورها عقل ولا يتحملها قلب، هذا لا يحدث إلا للمسلمين في كل العالم.
إن المسلمين العرب الآن لم يحملوا رسالة ربهم بما يجب من التوحيد والإخلاص في هذا العصر، لقد تغلغلت في قلوبهم صور الشقاق والخلاف، وأصبح بأس المسلمين بينهم شديدًا، وكل حزب وكل جماعة فرحةٌ بما لديها توالي فيه وتعادي عليه.
هذا هو المجهود الذي تقوم به هذه الفرق وتركت دعوة التوحيد والعمل بها، وإن كانت تدَّعي أنها صاحبة التوحيد، مما جعل أعداء الإسلام ينقضون عليهم فرقة بعد فرقة ودولة بعد دولة.
إنَّ أصدق ما يقال في هذا المقام قول الله تعالى: {هَٰذَا بَلَٰغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِۦ وَلِيَعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ} [إبراهيم: 52]، نحن في حاجة إلى أن نعيش هذه الآية بكل مدلولاتها.
إن الآية جامعة لما في القرآن، فالغاية الأساسية من ذلك البلاغ وهذا الإنذار، هي أن يعلم الناس: {أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ}، فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة.
فالمقصود هو الدينونة لله وحده، ما دام أنه لا إله غيره، وهذا الاعتقاد والتصور، يتناول الشعائر والمناسك؛ كما يتناول الأخلاق والسلوك، والقيم والموازين؛ وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء.
فالذين يظنون الإسلام عبارة عن عبادات ظاهرة فقط: طهارة الظاهر وإقامة الشعائر والزواج والطلاق والميراث.. دون الخضوع التام لحكم الله وتقديم ما أمر به الله على الأهواء الشخصية وأهواء البشر ورغباتهم.
إنَّ دين الله ليس بهذا الهزالِ الذي يتصوره كثير من أبناء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها! إن دين الله منهج شامل لجزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها، والدينونة لله وحده في كل جزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها - فضلا عن أصولها وكلياتها - هي دين الله، وهي الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه.
ولينظر الناس في كل بلدٍ من بلدان العالم لمن المقام الأعلى في حياتهم؟ ولمن الطاعة والاتباع والامتثال؟
فمن كان المقام الأعلى في حياته للهِ فقد صدق وأفلح!
ومن كانت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه فقدم هواه على طاعة مولاه فقد خاب وخسر.. والعياذ بالله.
وأخيرًا: {هَٰذَا بَلَٰغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِۦ وَلِيَعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ} [إبراهيم: 52].
______________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى
- التصنيف: