النظــــام الســــــــــوري شبيــــح دولـــــــي بامتيـــــاز

منذ 2011-12-06

منذ بدء الاحتجاجات والمظاهرات السلمية للثورة السورية قبل نحو خمسة "أكثر من ثمانية اليوم" أشهر ولا زالت آلة القتل للنظام السوري تعمل بلا كلل أو ملل تستهدف كل الأحرار في المدن والقرى السورية حتى وصل عدد الشهداء إلى نحو 2000 شهيد من بينهم عشرات الأطفال والنساء وأكثر من 10000 جريح والعدد مرشح للزيادة كل لحظة والعالم يتحدث عن الثورة السورية ويناشد ويدين بما فيهم مجلس الأمن ولا أحد يستطيع فعل شيء بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومجلس الأمن وحتى تركيا الحليفة الأقرب لسورية وكذلك الجامعة العربية وعلى رأسها مصر دولة المقر حتى صدر الموقف السعودي الذي يمثل الصوت الأقوى في الإدانة حتى الآن طول صمت، وحتى بعض دول الخليج العربي لم تسمح للسوريين والمقييمين فيها بالتظاهر أمام السفارات السورية احتجاجاً على القمع الوحشي للشعب من قبل النظام السوري، إذًا لماذا هذا الصمت العربي والدولي إزاء ما يحدث في سورية ولماذا هذا التباطؤ في الإدانة و اتخاذ المواقف العربية والدولية الحاسمة تجاه النظام السوري السفاح؟


هذا ما سأحاول تفسيره و الإجابة عليه من خلال تحليل العلاقة بين الدولتين الجارتين سورية وتركيا وأول ما يتبادر للذهن في هذا الموضوع هو السؤال المفتاحي التالي:

لماذا تخشى تركيا من اتخاذ موقفاً حاسماً تنحاز فيه تجاه الثورة السورية على حساب النظام؟

كسحب السفير التركي أو طرد السفير السوري على الصعيد الدبلوماسي أو التهديد بالمقاطعة الاقتصادية أو بالتدخل العسكري كما حدث من قبل في تسعينيات القرن الماضي في موضوع عبد الله أوجلان أو نحو ذلك من المواقف المتشددة رغم أن التصريحات السياسية والدبلوماسية للساسة الأتراك تعد الأقوى إقليمياً، والأسباب في تقديري تكمن فيما يلي:

خشية النظام التركي من قدرة النظام السوري على...

1- إثارة الأكراد وحزب العمال الكردستاني والجماعات الكردية المسلحة والتي تستطيع تنفيذ عمليات عسكرية نوعية تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار في تركيا.

2- إثارة الطائفة العلوية التي تقدر سكانياً في تركيا بنحو 8 إلى 10 ملايين علوي في تركيا تربط معظمهم بسوريا علاقات وطيدة حتى ذهب البعض للقول بأن العديد منهم يحمل رقم قومي سوري بحسب مصادر من بعض السوريين.

3- إدراك تركيا بأن أي تدخل عسكري لها أو لغيرها من المجتمع الدولي سيزيد من أزمة اللاجئين السوريين البالغ عددهم نحو أقل من 10000 والذي يرجح بحسب الخبراء إلى أن يصل إلى المليون لاجئ وربما المزيد في حال نشوب أي عمليات عسكرية على الحدود السورية.

4- استعداء إيران ضد تركيا واستعداد الأولى انطلاقاً من حماستها الطائفية لفعل أي شيء لمساندة النظام السوري بما في ذلك إثارة حماسة العلويين الطائفية لنصرة النظام السوري الأمر الذي يضعف القومية التركية والنظام العلماني للدولة.

5- المقاطعة الاقتصادية ستكون تركيا فيها هي الخاسر الأكبر نظراً لأنها الأكبر والأقوى اقتصاداً وسورية بالنسبة لها سوقاً تعداده 23 مليون نسمة وهذا ما لا تريده تركيا.

6- إن خسارة النظام السوري سيجعله يرتمي بالكلية في الأحضان الإيرانية المفتوحة على مصراعيها وسيخرجها تماماً من المنطقة مما يضعف مكانتها الإقليمية والدولية كشريك فاعل ومؤثر في العلاقات الدولية والإقليمية لصالح القوة الإيرانية وهذا ما تخشاه أيضاً تركيا.

7- وربما غير ذلك مما تخفيه دهاليز السياسة بين البلدين الجارتين.


فإذا كان هذا هو حال النظام السوري مع تركيا صاحبة ثاني أقوى جيش في حلف الناتو وإحدى أقوى الدبلوماسيات والاقتصاديات في المنطقة وأوروبا والعالم ولا تستطيع التأثير على النظام في سورية لوقف القتل إذا فكيف للشعوب الأخرى بما فيها شعوب الخليج التي يهددها النظام السوري بالفتنة الطائفية وتحريك الخلايا التابعة له لزعزعة الأمن والاستقرار في الخليج بحسب ما ألمح به أحد الموالين للنظام في سورية مؤخراً.


كل ذلك في ظل غياب القيادة المصرية الممثلة في المجلس العسكري الحكام في مصر والمشغول باستحقاقات الثورة الداخلية ومعالجة الملفات الأمنية والاقتصادية والمجتمعية الشائكة في مصر وصمته عما يجري في سورية على اعتبار أنه شئناً سورياً داخلياً وأن مصر لا تريد أن تتدخل في الشأن الداخلي لدولة أخرى حتى لا يكون ذلك ذريعة لأن يتدخل الآخرين في الشأن الداخلي المصري "كفلسفة سياسية تقليدية من تقاليد السياسات القديمة للنظام القديم" الأمر الذي أعطى الفرصة بصورة أو بأخرى لتخفيف الضغوط عن النظام الجزار في سورية.

إذاً فالنظام السوري لم يتلقى مؤخراً ضغوطاً حقيقية نستطيع وصفها بالمؤثرة سوى من خلال الموقف السعودي المنادي بوقف آلة القتل خلال خطاب جلالة الملك عبد الله وكذلك الموقف الكويتي ممثلاً في موقف صاحب السمو الأمير صباح ولكن حتى هذه المواقف أعتقد أنها مواقف أخلاقية وإنسانية إبراءً للذمة استنكاراً لما يحدث للشعب السوري ولا تمثل أية ضغوطات حقيقة مؤثرة لتغير إستراتيجية النظام من القتل إلى إستراتيجية الانتقال السلمي للسلطة أو حتى التغيير والإصلاح دون إسقاط النظام لذا فأية مواقف خارجية رغم كامل التقدير لها وأهميتها المعنوية للشعب السوري لكنها لن تكون مؤثرة على النظام الذي يبدو أنه يدفع باتجاه تسليح الثورة السلمية حتى يقوم بمزيد من المذابح بعد أن يكون قد أثبت بوجود السلاح من بعض الثوار إلا أن النظام رغم ذكاؤه السياسي والعسكري في إدارة الصراع مع الداخل والخارج لا يعرف أن الشعب السوري قد خرج بلا عودة وأنه سيتعين عليه خلال الأسابيع القليلة القادمة أن يواجه ضغطاً ثورياً شعبياً أكبر من سابقه بكثير وأن المسألة ستدخل في مرحلة الاستنزاف البشري بالقتل والتجويع والحصار للشعب والاستنزاف الاقتصادي والسياسي للنظام الذي فقد هيبته وصورته الذهنية بل واحترامه وشعبيته كدولة ممانعه "صورية" أمام شعبه والعالم العربي والعالم أجمع لذا عليه أن يدرك بأنه عليه أن يواجه أياماً وأشهراً صعبة ولكنها ستكون حاسمة خاصة بعد أن يبدأ الوضع المصري في الاستقرار بعد الانتخابات القادمة لذا سيعمل هذا النظام السفاح ورئيسه على إنهاء الثورة بأسرع وقت ممكن ولكنه لن يستطيع.

لقد كتبت هذه المقالة قبل نحو أكثر من ثلاثة أشهر ولازالت صالحة حتى الآن رغم التحول المُتصاعد في النبرة التركية.

المصدر: بقلم/محمد صلاح الدين
  • 2
  • 2
  • 2,906

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً