مباغتة الكاميرات وانتهاك خصوصية المسلمين
لقد راعى الإسلام خصوصية الناس وجعل لها وزنًا وحرمة، ووضع أحكام الاستئذان في الدخول عليهم، فهذا لمجرد الدخول عليهم، فما بالك إن صاحب ذلك الدخول التصوير والكاميرات؟ وما بالك إن نُشرت تلك المقاطع على الإنترنت؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فهناك موضوع يزعج الكثيرين، ولا يكاد أحد يتكلم عنه؛ ألا وهو مباغتة الكاميرات، فقد انتشرت وسائل الإعلام، وكثُر المصورون من صحفيين وإذاعيين، وأصحاب كاميرات التلفزيون، واليوتيوب والمجلات الإلكترونية، وشبكات التواصل وغيرها، ولا يقتصر الأمر على هذا، فتجد حتى من بين المعارف والجيران، والأصدقاء والأهل من يحمل تليفونه ويصور الناس، ومن المؤسف أن تجدهم يقوموا بهذا الشيء بعفوية، ودون أن ينتبهوا إلى أن هناك من ينزعج من ذلك، بل لا ينتبه إلى أن هناك حرماتٍ وعورات للمسلمين يجب حفظها وعدم تعدِّيها، وينتشر ذلك في صور كثيرة ومختلفة، والنتيجة واحدة؛ وهي هتك ستر المسلمين، فبعضهم يحمل كاميرته ويصور يمينًا وشمالًا، ولا يراعي امرأة ولا رجلًا، ولا صغيرًا ولا كبيرًا، ثم بعد مداهمته تلك يسأل من صوره: هل له أن ينشر الفيديو؟! يا سبحان الله! أنت صوَّرت ووثَّقت، وهتكت خصوصية ذلك الشخص، وحفِظت صورته في هاتفك...
ثم بعد ذلك تحاول أن تجد لك عذرًا بسؤاله: هل يمكن لك نشره؟ ربما كنت رجلًا، وصورت فتاة، وأصبحت صورتها في جهازك، يمكن أن تفعل بها ما تشاء، وهتكت حرمة خصوصيتها دون مراعاة لدين ولا حق للمسلم، فلماذا؟ ومن أعطاك الحق بالتصوير؟ ضَعْ يا أخي أختك مكانها، وتخيل أن أحد المارة صورها، ووقف يتكلم معها ويحاورها، ثم يسألها: هل يمكن أن ينشر مقطعها على الملأ، فهل ستستسيغ هذا الأسلوب؟ لا أظن أن أيَّ مسلم غيور سيعجبه هذا، بل إن هذه الخصوصية لا تقتصر على الفتيات فقط، فهناك الكثير من الناس سواء كانوا رجالًا أو نساءً يحبون الخصوصية، ولا يحبون لأحد أن يصورهم، والأدهى أن تُرفع مقاطعهم على الإنترنت دون إذنهم، وهذا كثيرًا ما يحدث بمقاطعة المارة في الشوارع أو الأسواق والأماكن العامة.
وحتى أحيانًا تحدث هذه المباغتات التصويرية في أماكن مغلقة مثل المستشفيات؛ حيث يكون المريض في حالة ضعف وعدم تركيز، ويكون واهي القوة، فتباغته الكاميرا، ولا يستطيع قول شيء، بل إن من شر الخَلْقِ الطبيبَ الذي استأمنه المريض على كشف عورته، ثم يصوره وينشر المقطع في قناته دون علمه، فمثل هذا لا يراعي حقَّ مريض ولا حرمة مسلم.
ومنهم من يصور الناس في أوضاع غير مقبولة ولا ملائمة، حتى لو كان لغرض نبيل؛ مثل جمع التبرعات أو نشر الأخبار، فلا بد من تحضير الناس قبل البدء بأي نوع من التصوير، فلا امرأة - مثلًا - تحب أن يراها الناس وهي مستلقية مريضة، أو جائعة، وتُعرض صورها على العالم، ولا بد من التنظيم الأوليِّ لهذه الصور وعدم نشر ما لا يناسب منها.
ومنهم من دُعيت إلى عُرس، فلما استأمنها الناس وأكرموها، وسمحوا له بحضور زواج ابنتهم، بدأت بتصويرها خِلسة واستراق المقاطع هنا وهناك، ثم تنشرها على الملأ، دون مراعاة لخصوصية تلك العروس، ولا لحقوق أهلها الذين أكرموها ودعوها للزواج، فبأي حق تصورها وتنشر صورها؟ ومن أذِن لها بفعل هذا؟ وهل تظن أن كل الفتيات سواسية، وأن العروس لا مانع عندها من ذلك التصوير؟ لقد أخطأتِ التقدير أختاه، وظلمتِ أختَكِ ظلمًا كبيرًا ستُحاسبين عليه يوم القيامة إن لم تتوبي، فَضَعِي نفسكِ مكانها، وتفاجئي بصوركِ ومقاطعكِ في الإنترنت، هل سيعجبكِ هذا الوضع؟ إذًا لِمَ تفعلينه لأختكِ؟ فاتقوا الله أخواتي في بنات المسلمين، وتذكري أنه كما تدين تُدان؛ فلا تهتكي خصوصية أختكِ وسترها، ولا تنشري صورها على العالم في اليوتيوب.
ومنهم من يصور الناس، ويقيم محتوى قناته على دمار البيوت والإفساد بين أهلها، سواء كانوا أزواجًا أو إخوةً، أو بنات وأمهاتهن، أو أبناء وآباءهم؛ فهو يستوقفهم ويبدأ معهم الحوار، ويستدرجهم بالسؤال واحدًا تلو الآخر، حتى يبوح الشخص بما في قلبه، ويُخرج ما يعاني منه من قريبه أو زوجه، ويشتكي ويفضفض ليرتاح، ولا يستحضر أن ذلك سيُنشر في اليوتيوب على الملأ، وأن زوجه أو قريبه سيرى المقطع، ويفسد ذلك ما بينهما، وربما انتبه للأمر في منتصف كلامه، فارتبك أو استحيا أن يتراجع، ويكون انتباهه جاء متأخرًا بعد أن قال ما يفسد، فينقلب حاله بعد انتهاء تلك المقابلة، التي ربما أدت إلى وقوع طلاق أو قطيعة رحم أو خصام يدوم سنواتٍ؛ بسبب صاحب تلك القناة الخبيثة.
مباغتة الكاميرات وانتهاك ستر المسلمين من منظور مقاصد القرآن الكريم:
لقد راعى الإسلام خصوصية الناس وجعل لها وزنًا وحرمة، ووضع أحكام الاستئذان في الدخول عليهم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58]، فهذا لمجرد الدخول عليهم، فما بالك إن صاحب ذلك الدخول التصوير والكاميرات؟ وما بالك إن نُشرت تلك المقاطع على الإنترنت؟ أليس هذا ظلمًا كبيرًا لهؤلاء الضحايا؛ فلا ينصفهم قانون، ولا يحميهم من هذه الكاميرات المختلسة التي تتسبب في فضحهم عالميًّا على الملأ؟ وحتى لو كان الإنسان في كامل هندامه، لا يعني ذلك أنه مهيأ لأن يتصور أو يتقبل ذلك بنفس طيبة.
• ومباغتة الناس بالتصوير فيه انتهاك لخصوصياتهم وسترهم الذي هو حق لهم، ولا يتماشى ذلك مع الآداب الإسلامية؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن اللهَ ستيرٌ يحبُ السترَ»[1].
• مباغتة الناس بالتصوير قد يؤدي إلى نثر الأحقاد والتباغض مما ينتج عنه مشاكل اجتماعية، ولا يتماشى ذلك مع مقصد الأحكام الشرعية، ولا صلاح الأحوال الفردية والجماعية، كما أنه يجعل المجتمع لا يبالي بتلك الخصوصية وتعُم فيه الفوضى.
التوصيات المقترحة:
• على الإنسان مراعاة حرمات الناس وعدم تصويرهم إلا لضرورة، وإن كان لا بد فاعلًا، فليستأذنهم أولًا إن سمح الحال.
• يفضَّل أن تضع الدولة القوانين التي تنظم هذا الأمر، وتحفظ حقوق المسلمين في ذلك، ولا سيما الفتيات.
[1] صححه الألباني في إرواء الغليل (2335).
- التصنيف: