كونوا مع الصادقين

منذ يوم

"المراد بـ {الصَّادِقِينَ} الذين كان الصدق شعارهم لم يعدلوا عنه"

{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119] {قَالَ اللَّهُ} [المائدة: 119] مبينًا حالَ عباده يوم القيامة، ومَن الفائز منهم، ومن الهالك، ومن الشقي، ومن السعيد، {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119]، والصادقون هم الذين استقامت أعمالهم وأقوالهم ونيَّاتُهم على الصراط المستقيم، والهَدْيِ القويم، فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق، إذا أحلَّهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر؛ ولهذا قال: {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119]، والكاذبون بضدِّهم، سيجدون ضررَ كذبهم وافترائهم، وثمرة أعمالهم الفاسدة.

 

والمراد بـ {الصَّادِقِينَ} الذين كان الصدق شعارهم لم يعدلوا عنه، ومن أول مراتب الصدق صدقُ الاعتقاد بألَّا يعتقدوا ما هو مخالف لِما في نفس الأمر مما قام عليه الدليل العقلي أو الشرعي؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].

 

ومعنى نَفْعِ الصدق صاحبه في ذلك اليوم، أن ذلك اليوم يوم الحق، فالصادق ينتفع فيه بصدقه؛ لأن الصدق حسن، فلا يكون له في الحق إلا الأثر الحسن، بخلاف الحال في عالم الدنيا، عالم حصول الحق والباطل، فإن الحق قد يجر ضرًّا لصاحبه بتحريف الناس للحقائق، أو بمؤاخذته على ما أخبر به بحيث لو لم يُخبِر به، لَما اطَّلع عليه أحد، وأما ما يترتب عليه من الثواب في الآخرة، فذلك من النفع الحاصل في يوم القيامة، وقد ابتُليَ كعب بن مالك رضي الله عنه في الصدق، ثم رأى حسن مَغَبَّتِهِ في الدنيا.

 

ومعنى نفع الصدق أنه إن كان الخبر عن أمر حسن ارتكبه المخبر، فالصدق حسن، والمخبر عنه حسن، فيكون نفعًا محضًا، وعليه جزاءان؛ كما في قول عيسى: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: 116]، إلى آخره، وإن كان الخبر عن أمر قبيح، فإن الصدق لا يزيد المخبر عنه قبحًا؛ لأنه قد حصل قبيحًا، سواء أخبر عنه أم لم يخبر، وكان لقبحه مستحقًّا أثرًا قبيحًا مثله، وينفع الصدق صاحبه مرتكب ذلك القبيح، فيناله جزاء الصدق، فيخف عنه بعض العقاب بما ازداد من وسائل الإحسان إليه.

 

 

قال قتادة: متكلمان لا يُخطِئان يوم القيامة؛ عيسى عليه السلام، وهو ما قص الله عز وجل، وعدو الله إبليس؛ وهو قوله: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} [إبراهيم: 22]؛ الآية، فصدق عدوُّ الله يومئذٍ، وكان قبل ذلك كاذبًا، فلم ينفعه صدقه، وأما عيسى عليه السلام، فكان صادقًا في الدنيا والآخرة، فنفعه صدقُهُ.

 

ومعنى الصدق اصطلاحًا:

الصدق: هو الخبر عن الشيء على ما هو به، وهو نقيض الكذب، وقال الباجي: الصدق الوصف المخبر عنه على ما هو به.

 

فوائد الصدق:

1- الصدق طريق الأبرار إلى الجنة.

 

2- من أسباب محبة الله والقرب منه.

 

3- الصادقون يحبهم الناس، ويثقون بهم، ويأتمنونهم في سائر معاملاتهم.

 

4- الصدق يرفع قدر صاحبه.

 

5- الصدق يرفع الأعمال ويُعلي شأنها.

 

6- الصدق دليل القوة وسمة الثقة بالنفس.

 

7- الصدق منجاة.

 

8- الصدق في الحديث يجعله مؤثرًا في القلوب.

 

9- الصادق محشور مع النبيين والشهداء والصالحين.

 

10- حصول البركة في الأعمال والأموال، ومن ذلك حصول البركة في البيع والشراء؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو قال: حتى يتفرقا - فإن صدقا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، مُحِقَت بركة بيعهما»، حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط؛ وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما؛ وهو الكذب.

 

11- انشراح الصدر وسكينة النفس.

 

12- الصدق يُبعِد صاحبه عن النفاق.

 

13- يؤدي إلى تماسك المجتمع وترابط أفراده.

 

14- الصدق هو طريق إلى علوِّ المنزلة بين الناس؛ يقول ابن القيم في الصدق: إنه "منزل القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين... ومن نطق به عَلَتْ على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال... وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة... وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين، وخص المنعَم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]".

 

ثواب الصادقين:

أثنى الله على الصادقين بأنهم المتقون أصحاب الجنة، جزاء لهم على صدقهم؛ فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، وقال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119]؛ أي: إن صدقَهم في الدنيا ينفعهم يوم القيامة.

 

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:

"فالواجب على أهل الإيمان رجالًا ونساء الصدقُ بأقوالهم وأعمالهم، فإن عمِلوا صدقوا، وإن قالوا صدقوا؛ هكذا المؤمن: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]".

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

____________________________________________________________

المراجع:

تفسير السعدي.

 

تفسير ابن عاشور.

 

تفسير البغوي.

 

الدرر السنية.

 

موقع الشيخ ابن باز.

___________________________________________________
الكاتب: نورة سليمان عبدالله

  • 0
  • 0
  • 148
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    العاقبة للمتّقين في خضم الصراع من أجل البقاء، صار هدف إسقاط (الدولة الإسلاميّة) لدى الأكثرية الساحقة من الفصائل مقدّماً على إخراج الأمريكيّين من العراق، وبذلك استطاع طواغيت العرب أن يجروهم إلى المشروع الأمريكي، وفي النهاية انهارت هذه الفصائل من حيث ظنّت أنّها تحمي وجودها وتعزّز من قوّتها، ومر هذا الانحراف بمراحل متعددة أهمها: ٤) دخول الأمريكيّين في مفاوضات مع الفصائل: حيث اقتنع قادة الأحزاب والفصائل بعدها أنّ الأمريكيّين قاب قوسين أو أدنى من الخروج من العراق، وأنّهم إن دخلوا في المشروع الأمريكي فسيكون لهم دور كبير في المرحلة اللاحقة، فأطلق قادة الفصائل شعار (أخطر الاحتلالين) للإشارة إلى الإيرانيّين، باعتبار أن احتلالهم للعراق أشد خطراً من الاحتلال الأمريكي، ليبرّروا بذلك تعاونهم مع الأمريكيّين، ذلك التعاون الذي أعلنوه ضد إيران، كان موجّهاً في الحقيقة ضد الدولة الإسلاميّة، حيث كانت الفصائل ذاتها تهاجم من يحارب أدوات المشروع الإيراني في العراق وهم الرافضة وجيشهم وشرطتهم تحت مزاعم "حرمة الدم العراقي" و "المقاومة الشريفة". ٥) بانطلاق الحرب الشاملة ضد الدولة الإسلاميّة، وجدت الفصائل أنّها وقعت في الفخ الذي نصب لها من قبل أمريكا وحلفائها من رافضة العراق وإيران وطواغيت الأردن وجزيرة العرب، فالمشروع بمراحله المتعددة يهدف إلى تصفية هذه الفصائل لصالح الصحوات العشائرية في الوقت ذاته الذي تجري فيه الحرب للقضاء على الدولة الإسلاميّة، ومع بدء هذه الحرب، وجدت الفصائل نفسها ضحيّة استنزاف من جهتين، الأولى خسائرها البشريّة والماديّة في القتال ضد الدولة الإسلاميّة التي تمكّنت من النكاية فيها رغم الجراحات الكبيرة التي أصابتها، والثانية من تسرب مقاتليها إلى صفوف الصحوات، حيث الدعم المالي الأكبر والوعود الأمريكية بالعفو عنهم، والآمال بضمّهم إلى الجيش العراقي، وغير ذلك من الأسباب. وفي النهاية، تمكّن أعداء الدولة الإسلاميّة من توجيه ضربات موجعة لها بعدما وجد جنودها وأمراؤها أنفسهم ضحية لكمائن الصحوات وإنزالات الأمريكيّين وتربّص الفصائل، فاضطروا للانحياز من مناطق تمكينهم، بعدما ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وخسروا الآلاف من المجاهدين ممّن نكّلوا بأمريكا والروافض وحلفائهم لسنوات. وهكذا وجد الأمريكيّون أنفسهم للمرّة الأولى قادرين على التفكير بالانسحاب بسلام من العراق بعد أن يسلموه للروافض، حيث استطاعوا بضربة واحدة إضعاف الدولة الإسلاميّة وتفكيك معظم الفصائل التي جرّت على نفسها الدمار بانحراف قادتها وغبائهم وحرصهم على الإمارة، من حيث ظنّوا أنهم يزيدون من قوّتهم ونفوذهم. فبات العراق بيد الروافض، واستطاع المرتدّون من قادة الصحوات أن يجنوا لأنفسهم بعض المكاسب، قبل أن ينقلب عليهم الروافض بخروج أمريكا التي كانت تحميهم، ويمزّقوا صفوفهم سجناً وتقتيلاً وتشريداً. أما قادة الفصائل، فبعد ما جرّوه على الأمّة، وعلى فصائلهم، وعلى أنفسهم من الثبور، طفقوا يتبرؤون من فعال بعضهم البعض، ويتقاذفون التهم، قبل أن تستقر بهم الأمور لاجئين يستوطنون الفنادق في الشام وتركيا وجزيرة العرب، يتسولون الظهور في شاشات الفضائيّات، ويعرضون خدماتهم في أي مشروع خياني جديد في العراق. وأبقى الله الدولة الإسلاميّة رغم انحيازها إلى البوادي، وتعرّضها للبأساء والضراء والزلزلة، وصبر جنودها على الخوف والجوع والنقص في الأموال والثمرات، ليستعملهم في ساحات أخرى من أرضه تطلب فيها مرضاته، ويسعى فيها المجاهدون لإقامة دينه وتحكيم شرعه، بعد أن عرفوا أهمية الجماعة للأمة ومصيبتها في التفرق والفصائل. صحيفة النبأ – العدد 3 السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ مقتطف من مقال: معركة الجماعة والفصائل (2)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً