يوسف إستس.. وحرقة داعية!

منذ 2012-01-27


استضافت جمعية الاتحاد الإسلامي في لبنان ومؤسستها الرائدة (المنتدى للتعريف بالإسلام) القسّيس المهتدي الداعية يوسف إستس في سلسلة محاضرات برعاية إعلامية من مجلة منبر الداعيات صوت الكلمة الحرّة، شملت محافظات لبنان كافّة، وقد توافد الناس إلى المحاضرات بأعداد كبيرة جداً، وأسلم عدد من الأخوات بفضل الله جل وعلا، كما طالب العديد من غير المسلمين بالتواصل مع الداعية المهتدي للتحاور معه في أمور الدِّين.

لفتني هذا الحدث وهذا الإقبال، وساقني إلى تساؤل طرحتُهُ في صفحتي في شبكة التواصل الاجتماعية-الفايسبوك- حيث سألت: "ما الذي جعل هذه الجموع تتوافد إلى محاضرات الداعية يوسف إستس، مع أنه لم يأتِ بشيء جديد؟! ما الذي يفتش عنه هؤلاء ولم يجدوه في دعاتنا في لبنان؟! سؤال يستحق التفتيش عن رد منطقي!"

كنتُ في قرارة نفسي أعتقد أن صدق هذا الداعية وحرقته هما أساسان لقبول الناس له، إضافة إلى أنه أمريكي أسلم وجهه لله عز وجل بعد أن كان متعمّقاً باللاهوت والديانة النصرانية، ما جعل منه شخصية مميزة تجوب الشرق والغرب لتدلّ الحيارى على رب الأكوان، في حين ركن معظم المسلمين للدَعَة وانساقوا وراء حضارة الغرب الزائفة!

وتتالت الردود التي أسوقها بدوري في هذا المقال لملامسة تفسير مقنع لهذه الظاهرة، حيث إن قبول الناس للدعاة الغربيين والمهتدين من النصرانية على وجه الخصوص أكبر من قبولهم لدعاتنا المحليين مهما كانوا يتمتعون بعلمٍ وإخلاصٍ وعمل!

أثار البعض نقطة الإخلاص في القول والعمل، ونقطة تقوى الله سبحانه وتعالى، فحينها "يتقبّل الله عز وجل من العبد، ويُلقي محبته في قلوب البشر الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه".. ولكن ألا يوجد بين دعاتنا من هو صادق مخلص يتقي الله جل وعلا؟ لا بد أن هناك نقاطاً أُخرى إضافة إلى هذه النقاط!

وتثير أخت نقطةً أُخرى، وهي أن نسأل مجرِّباً ولا نسأل طبيباً! وأنّ "زمّار الحي لا يُطرِب.. فقد لا يكون السبب هو النقص لَدَيْنا لكنه الشغف بالمجهول والبعيد عنا".

فيما تحدثت أخوات عن الدعاية للحدث، وعن الأسلوب، والابتعاد عن الروتين في إلقائه للمحاضرات، والوضوح والبساطة والشفافية وخفّة الدم، وأنّ قوّة الإقناع تنبع من قوّة الاقتناع ، وخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، والبعض ساقه إلى المحاضرات الفضول للتعرف على أميركي مشهور يتحدث عن الإسلام بالإنكليزية بكل يقين ودعابة وينشر التزكية للعامّة!

وعرّجت أختٌ اهتدت منذ سنوات للإسلام على نقطة مهمة فقالت: "أظن أن المسلم يحب أن يسمع قصة إسلام غير المسلم وخاصة إن كان قسّاً متفقهاً في كفره، فهذا يقوّي إيمانه بدينه ويجعله يحاسب نفسه على تقصيره.. والشيخ يوسف إستس هو أحد هؤلاء المسلمين الجدد ولكن الله زاده علماً وأسلم على يديه الكثيرون بفضل الله تعالى".

وأشار أخ فاضل إلى أمر هام فقال: "أعتقد أنه عندنا في لبنان والعالم العربي من هو أعلم منه ولكن هؤلاء الدعاة يخاطبون الملتزمين فقط.. أما الشيخ يوسف وأمثالُه فيخاطبون الشريحة الأكبر في مجتمعاتنا وهي شريحة "المبتدئين" أو "البعيدين" عن الإسلام".. وهذه نقطة يجدر التوقف عندها طويلاً.

وقد استوقفني تعليق شفوي، حيث قال أحدهم: "كنت أفتّش عن شيء مختلف، عن لقاءٍ إيمانيّ يهزّني حدّ البكاء، فما عدت أستلذّ بالطاعة، باتت العبادات مجرد حركات، ليس لها أي أثر في روحي، وددتُ لو خرجتُ منها الآن..!"

ثم كان تعقيب الأخ بلال عبد القادر -طالب دكتوراه- حيث قال: "الأمر ليس في الدعاية وليس في الفتوحات وليس في مزمار الحي، السر يكمن في القبول الذي يجعله الله لأولئك الذين يخلصون لله في سرهم وعلنهم، لا يمكن فهم سر القبول الذي يحظى به المسلمون الجدد حتى يعيش الإنسان معهم ويتكلم معهم، الداعية يوسف إستس عانى الكثير من المقاطعة في أولى أيام إسلامه ولم يكن عنده أي دعاية، ولكنه عمل بجِد وكَدّ كي يبني مكانة لنفسه، وكان نشيطاً جداً لأنه يحب أن يسلم كل الناس على الأرض، فمن يضع لنفسه هذا الهدف فلا بد أنه مسلم غير عادي، البارحة أسلم عندنا في المسجد -في كندا- شاب من هاييتي ولما جاء كي يُسلم وركب معي في السيارة وبدأ بالكلام أحسست أن هذا الوجه البسيط يُخفي خلفه رؤية عميقة جداً وأسأل الله جل وعلا أن يثبّته وأن يرزقه الإخلاص في المستقبل، نحن بحاجة لأمثال هؤلاء ولسنا بحاجة للدعاة الإعلاميين.."

ورداً على تعليقي من أنه يوجد بدون أدنى شك دعاة صادقون عاملون هجروا دنياهم لنشر الدِّين وبالرغم من ذلك يكاد عدد من يحضر دروسهم لا يتجاوز العشرات .. إن حضروا!

قال الأخ بلال: "أنا لا أنكر أن هناك الكثير من الدعاة ممّن لا يحضر دروسهم إلا القليل القليل لكن هذه مشكلة أُخرى، أنا عشت في طرابلس وتربيت فيها ثم انتقلت إلى بيروت وتعلمت فيها وأخذت قسطاً آخر من العلم والمعرفة، ثم انتقلت إلى شمال أمريكا وعشت في أكثر من مدينة فيها وعايشت المزيد من طلبة العلم، أسأل نفسي دوماً هذا السؤال: لماذا رأينا هذا الشخص ينال قسطاً كبيراً من القبول وغيره لا يُعرَفون؟

ليس عندي جواب لهذا ولكن الجواب يتوزّع على أكثر من جهة:
أولاً: هناك أسباب تتعلق بصاحب الدعوة نفسه حيث يختار عناوين معينة ويستخدم أسلوباً معيناً (لا يجذب جماهير العصر الحالي)، لا أقول إنه يجب على الجميع اختيار أساليب شعبوية ولكن لا بد من فهم الجمهور الذي يتوجّه له الخطاب.

ثانياً: الأمر متعلق بالبيئة التي يظهر فيها طالب العلم أو صاحب العلم، هناك بيئات حاضنة للدعاة وبيئات تنفر من الدعوة، هناك بيئات تحب الخطاب الفقهي وبيئات تفضل الخطاب الوعظي، قد يظهر صاحب العلم في بيئة لا تناسب ما يقدمه.

ثالثاً: استخدام الوسائط للوصول للجمهور، لا بد من التأكيد على أن الشباب المعاصر لا يقصدون مجالس العلم بشكل جيد ولذلك لا بد من الوصول إليهم حيث هم إنْ كان الشخص يريد فعلاً أن يوصل كلمته..

رابعاً: المشكلة هي في المؤسسات الدينية التي لا زالت تُخرِّج الشيوخ بنفس الطريقة التي اعتمدتها من مئات السنين، أليس محرجاً في هذا العصر أن يتخرج الشيوخ بدون أن يقرأوا كلمة واحدة بغير لغتهم الأم؟ أليس مخزياً أن يتكلم الشيخ عن مسائل فقهية جامدة في خطبته بينما الشارع يغلي بسبب مناظر الدم والظلم؟ أليس عيباً أن تتكلم المؤسسة الدينية في وادي السلطة والناس كلها تغلي طلباً لرفض الحكام؟

بالنسبة للدعاة الغربيين والشرقيين الذين برزوا على الفضائيات وعلى الإنترنت هناك نوعان منهم: نوع يختار مواضيع معينة ويتحرّى الدقة في كل ما يقدمه ولكن عنده أسلوب مشوِّق جداً، ونوع آخر يقدّم ما يطلبه المستمعون وهؤلاء كُثُر أيضاً، والمجموعتان استطاعتا أن تبرزا على السطح، ولكن الرحيق المختوم يبقى، والزبد يذهب..!"

وبعد كل ما سقته في هذا المقال، آمُل أن يعمد دعاتنا الأفاضل إلى تجديد الخطاب الدعوي وينظروا إلى الشريحة التي يتوجّهون إليها ليصوغوا الأسلوب الأمثل للوصول إلى قلوبهم دون زعزعة في الثوابت ولا تمييع للأحكام!

ويبقى السؤال الأهم، متى سيعود المسلمون إلى دينهم ليكون منهج حياة ودستور دولة؟ أما أنا فبعد حضوري لمحاضرتَين للداعية يوسف إستس استرجعت حديث الحبيب عليه الصلاة والسلام حيث ورد في صحيح مسلم أنه قال: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرِز -أي يتجمّع- بين المسجدين كما تأرز الحية في جُحرها» (رواه مسلم)، فمتى نتنشّق نسائم الفجر لتخلع الدنيا ثوباً أسودَ ويصدح في أرجائها صوت الأذان.. فالله أكبر!

سحر المصري

  • 9
  • 0
  • 6,937

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً