فإن ظن بي خيرًا فله

منذ 2024-10-08

الله تعالى يحب أن يظن عبده  به خيراً فإن تاب العبد من ذنب مهما كان كبيراً فعليه أن يعتقد ويؤمن بأن الله أكبر

الله تعالى يحب أن يظن عبده  به خيراً فإن تاب العبد من ذنب مهما كان كبيراً فعليه أن يعتقد ويؤمن بأن الله أكبر، وإن عبد الله كما أمره فعليه أن يعتقد جازماً بقلبه بأن الله سيجازيه خير الجزاء ولن يحرمه.

أما ظن السوء بالله فهو من كبائر الذنوب، كيأس العبد من قبول توبته، أو أن التوبة لن تنفعه، أو أن الله لن يجازيه بطاعته.

في الحديث القدسي:  «أنا عند ظن عبدي بي» [متفق عليه عن أبي هريرة] .

وفي رواية:  «أنا عند ظن عبدي بي؛ فإن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًا فله.»   [رواه أحمد] .

وفي الحديث:  «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» [رواه الحاكم، وصححهما الألباني] .

قال القرطبي في (المفهم): قيل معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكًا بصادق وعده، ويؤيده قوله في الحديث الآخر: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".

قال: ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه، موقنا بأن الله يقبله، ويغفر له، لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر. انتهى.

وقال النووي -رحمه الله-: قوله سبحانه وتعالى -أي: في الحديث القدسي-: (أنا عند ظن عبدي بي)، قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفًا راجيًا، ويكونان سواء. وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت غلّب الرجاء أو محّضه، لأن مقصود الخوف: الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك، أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له). اهـ وقال الحافظ في الفتح: (أنا عند ظن عبدي بي): أجازيه بحسب ظنه بي، فإن رجا رحمتي، وظن أني أعفو عنه، وأغفر له، فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربًّا يجازي، وإن يئس من حرمتي، وظن أني أعاقبه، وأعذبه، فعليه ذلك، لأنه لا ييأس إلا كافر). اهـ.
وجاء في فيض القدير: (قال ابن أبي جمرة: معنى (ظن عبدي بي): ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكًا بصادق وعده، وقال أيضا: لا يعظم الذنب عند الحاكم عظمة تقنطك من حسن الظن بالله، فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه، لا صغيرة إذا قابلك عدله، ولا كبيرة إذا واجهك فضله.
وروى ابن أبي الدنيا عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته، لكي يحسن الظن بربه، وقد قال بعض أئمة العلم: إنه يحسن جمع أربعين حديثًا في الرجاء تقرأ على المريض، فيشتد حسن ظنه بالله تعالى، فإنه تعالى عند ظن عبده به). ذكره في سبل السلام في كتاب الجنائز.

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 4
  • 0
  • 335
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    حكم بين العدل والظلم • الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء والحرمان، والصلاة والسلام على نبيه العدنان، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد. كان العدل وما يزال مطلب الحاضرين والغابرين، وفي هذا المقال بين أيدينا أصول وحِكم بين العدل والظلم، ذكرى للغافلين وبشرى للمؤمنين وسلوى للمظلومين، علّ الله أن يجعلها سببا في أمان قلب جازع وبال مضطرب ونفس يائسة لتعود إلى ربها حق العودة وتؤمن به ربا حكما عدلا كما تؤمن به ربا غفورا رحيما. ◾️ الابتلاء سنة عادلة اقتضت سنة الله ابتلاء المؤمنين بالكافرين والعكس، وابتلاء الناس بعضهم ببعض وكل ذلك من حكمة الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وليرفع الله الصابرين درجات قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان]؛ قال الإمام الطبري: "وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، جعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملِكا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرًا وحرمناه الدنيا لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنيّ، والملك بصبره على ما أعطيه الرسول من الكرامة، وكيف رضي كل إنسان منهم بما أُعطى وقُسم له، وطاعته ربه مع ما حُرم مما أُعطى غيره، يقول: فمن أجل ذلك لم أُعطِ محمدا الدنيا، وجعلته يطلب المعاش في الأسواق، ولأبتليكم أيها الناس وأختبر طاعتكم ربكم وإجابتكم رسوله إلى ما دعاكم إليه، بغير عرض من الدنيا ترجونه من محمد أن يعطيكم على اتباعكم إياه، لأني لو أعطيته الدنيا لسارع كثير منكم إلى اتباعه طمعا في دنياه أن يَنال منها". [التفسير] فالله بصير بكل ما يحل بعباده من جراح ومحن، وهو سبحانه قادر على تغيير حالهم، ولكنه سبحانه خلقنا ليختبرنا، قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}، وهو أيضا بصير بأفعال الكافرين بحق عباده المؤمنين، وهو سبحانه يملي لهم ويستدرجهم ليعذبهم عذابا مهينا قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، وما كان الله تاركا عباده دون أن ينتصر لهم، بل يهيئ الأسباب لجنده المؤمنين، وليس لنا في ذلك أن نطَّلع على الغيب، فقال تعالى تلو الآية السابقة: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. وفي هذا قد بيَّن الإمام ابن القيم أصولا وحقائق إيمانية ثابتة، ذكر فيها وجوها من حكم الابتلاء التي لا تخرج في كل أحوالها وصورها عن عدل الله تعالى المطلق ومنها: "أن ما يصيب المؤمنين -من الشرور والمحن والأذى- دون ما يصيب الكفار، والواقع شاهد بذلك، وكذلك ما يصيب الأبرار في هذه الدنيا: دون ما يصيب الفجار والفساق والظلمة بكثير، وأن ما يصيب الكافر والفاجر والمنافق -من العز والنصر والجاه- دون ما يحصل للمؤمنين بكثير، بل باطن ذلك ذل وكسر وهوان، وإن كان في الظاهر بخلافه، قال الحسن رحمه الله: "إنهم وإن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم النعال؛ إن ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"، وأن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعدُّ به لتمام الأجر، وعلو المنزلة، وأن ما يصيب المؤمن في هذه الدار -من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان-: أمر لازم، لا بد منه، وهو كالحر الشديد والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذا الدار، حتى للأطفال والبهائم لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر، والنفع عن الضر، واللذة عن الألم: لكان ذلك عالما غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تفوت الحكمة التي مزج لأجلها بين الخير والشر، والألم واللذة، والنافع والضار، وأن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحيانا، فيه حكم عظيمة لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل فمنها: استخراج عبوديتهم وذلهم لله وانكسارهم له، وافتقارهم إليه وسؤاله نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائما منصورين قاهرين غالبين، لبطروا وأشِروا، ولو كانوا دائما مقهورين مغلوبين منصورا عليهم عدوهم، لما قامت للدين قائمة ولا كانت للحق دولة". [إغاثة اللهفان باختصار] ▫️ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468 الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً