فوائد وأحكام من قوله تعالى: {قل اللهم مالك الملك...}
فوائد وأحكام من قوله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ...﴾ [آل عمران: 26، 27].
فوائد وأحكام من قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26، 27].
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى وإنما هو مُبلِّغ عن الله - عز وجل - لقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ} الآية، وفي هذا رد على من يزعمون أنه تقوَّل القرآن وافتراه من عند نفسه.
2- أمر الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم بالثناء عليه وتعظيمه وتفويض الأمر إليه، والتوسل إليه؛ لقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآيتين، وهذا أمر له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه.
3- أن الله - عز وجل - مالك الملك كله، فهو المنفرد بالملك، والمنفرد بالتصـرف فيه؛ لقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآية.
4- تمام ملك الله - عز وجل - وكمال تصرفه؛ لقوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} الآية، وقوله: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} الآية.
5- منح الله - عز وجل - الملك من يشاء، ونزعه ومنعه ممن يشاء، وأنه سبحانه هو المعطي المانع؛ لقوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى.
6- إثبات المشيئة لله تعالى، وهي الإرادة الكونية المبنية على الحكمة، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ لقوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} } الآية، وقوله: {تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ} الآية، وقوله: {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ}، وكما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30].
7- أن الله - عز وجل - يُعِز من يشاء، ويُذِل من يشاء لحكمة يعلمها سبحانه؛ لقوله تعالى: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ}.
8- أن الله تعالى بيده الخير كله؛ لقوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ}.
9- ينبغي طلب العزة والخير من الله وحده؛ لأن كل ذلك بيده سبحانه وتعالى، مع بذل الأسباب المادية.
10- أن أفعال الله تعالى كلها خير، وأن الشر لا يُضاف إليه، وإن كان سبحانه هو الذي خلق كل شيء؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «الخير كله بيديك والشر ليس إليك»[1].
قال ابن القيم[2]: «فتبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه، بل كل ما يُنسب إليه فهو خير، والشر إنما صار شرًّا لانقطاع نسبته وإضافته إليه، فلو أُضيف إليه لم يكن شرًّا، وهو سبحانه خالق الخير والشـر، فالشـر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله، وخلقه وفعله وقضاؤه وقدره خير كله».
وقال السعدي[3]: «وأما الشر فإنه لا يُضاف إلى الله تعالى، لا وصفًا ولا اسمًا ولا فعلًا ولكنه يدخل في مفعولاته، ويندرج في قضائه، فالخير والشر كله داخل في القضاء والقدر، فلا يقع في ملكه إلا ما شاءه، ولكن الشر لا يُضاف إلى الله».
11- الإرشاد والتنبيه إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الأمة بما خصها به من بعثة رسولها محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل إلى جميع الثقلين، وجعل كتابه مهيمنًا على جميع الكتب السماوية، وبلغ ملك أمته مشارق الأرض ومغاربها، وأظهر دينه على الأديان كلها. وفي هذا رد على المعترضين بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]؛ كما قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} [الأنعام: 124]، وقال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32].
12- عموم قدرة الله تعالى لكل شيء؛ لقوله تعالى: {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
13- الاستغناء بالثناء عن الدعاء؛ لأن الثناء مما يتوسل به إلى الله تعالى، فهذا الثناء والتعظيم متضمن طلب العزة والخير من الله وحده؛ لأنه أهل ذلك والقادر عليه.
وكما قيل:
إذا أثنى عليك المرء يومًا ** كَفَاهُ من تعرضه الثناء[4]
14- حكمة الله تعالى البالغة، وقدرته التامة، ورحمته وعنايته بخلقه في إيلاج الليل في النهار، وجعل ذلك بتدرج، وما يترتب على ذلك من اختلاف فصول السنة من حر إلى برد إلى اعتدال، وما في ذلك من المنافع والمصالح العظيمة للإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك؛ لقوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}.
15- قدرة الله تعالى العظيمة، وحكمته البالغة في إخراج الحيّ من الميت، وإخراج الميت من الحيّ، حسيًّا كان ذلك أو معنويًّا؛ لقوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}.
16- إخراج الحي من الميت أعظم في القدرة، وأظهر في الحكمة، وأجلّ في النعمة؛ لهذا قُدِّم- والله أعلم- على إخراج الميت من الحيّ.
17- ينبغي طلب الهداية من الله تعالى وحده، لأنه وحده القادر على التوفيق للهداية والحياة المعنوية بالإيمان.
18- بلاغة القرآن وبديع نظمه، ففي قوله تعالى: {مَالِكَ الْمُلْكِ} جناس، وفي قوله: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} طِباق، وكذا في قوله: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}.
19- أن الله تعالى يَرزُق ويُعطي من يشاء، والأرزاق والخزائن كلها بيده؛ لقوله تعالى: {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ}.
20- أن الله - عز وجل - لا حدَّ لرزقه وعطائه، بل يرزق من يشاء بغير حساب؛ لقوله تعالى: {بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
21- ينبغي طلب الرزق من الله تعالى وحده؛ لأن الأرزاق بيده مع بذل الأسباب المادية.
[1] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (771)، وأبو داود في الصلاة (760)، والنسائي في الافتتاح (897)، والترمذي في الدعوات (3422)، من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه .
[2] انظر: «بدائع التفسير» (1/495).
[3] في «تيسير الكريم الرحمن» (1/370).
[4] البيت لأمية بن أبي الصلت؛ انظر: «ديوانه» (ص17).
- التصنيف:
عنان عوني العنزي
منذ