من درر العلامة ابن القيم عن العشق

منذ 6 ساعات

[ كتاب: مفتاح دار السعادة]                       سئل بعض العلماء عن عشق الصور, فقال: قلوب غفلت عن ذكر الله, فابتلاها بعبودية غيره.

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: فالعشق من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله  الكريم أن ينفع بها الجميع 

                             [ كتاب: مفتاح دار السعادة]                      

العشق والغفلة عن ذكر الله عز وجل:

سئل بعض العلماء عن عشق الصور, فقال: قلوب غفلت عن ذكر الله, فابتلاها بعبودية غيره.

                             [كتاب: الكلام على مسألة السماع]

أقوى أسباب العشق:

أعظم محرمات الهوى ودواعيه ثلاثة أشياء تُسكر الروح: النظر, واستماع الغناء, وشرب الخمر, فهذه الثلاثة هي أقوى أسباب العشق والفجور, والنفس الأمارة محبة لها مؤثرة لها, فجاء الشيطان إلى النفوس ودعاها من هذه الأبواب الثلاثة.

                             [ كتاب: روضة المحبين ونزهة المشتاقين ]

إطلاق البصر يوقع في سكر العشق:

إطلاق البصر يُوجب استحكام الغفلة عن الله, والدار الآخرة, ويوقع في سكر العشق.... سكرُ العشق أعظمُ من سكر الخمر, فإن سكران الخمر يُفيقُ منه, وسكران العشق قلَّما يفيق إلا في وهو في عسكر الأموات

                       [كتاب: إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]

العشق من مكايد الشيطان:

& من مكايده ومصايده: ما فتن به عُشَّاق الصور:

وتلك لعمر الله الفتنة الكبرى, والبلية العظمى, التي استبعدت النفوس لغير خالقها, وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشاقها.

& من أبلغ كيد الشيطان وسُخريته بالمفتونين بالصور: أنه يمني أحدهم أنه إنما يحب ذلك الأمرد  وتلك المرأة الأجنبية لله تعالى لا لفاحشة

& وإذا كان الشيطانُ يريدُ أن يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين في الخمر والميسر, ويصُدهم بذلك عن ذكر الله وعن الصلاة, فالعداوة والبغضاء والصد الذي يُوقعه بالعشق أعظم بكثير. 

الحرب بين العشق والتوحيد:

وألقت الحرب بين العشق والتوحيد, ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد, فصيرت القلب للهوى أسيراً, وجعلته حاكماً وأميراً, فأوسعت القلوب محنة, وملأتها فتنة, وحالت بينها وبين رُشدها, وصرفتها عن طريق قصدها.

فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس, وشهوة عاجلة, ذهبت لذتها, وبقيت تبعتها, وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها, فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة, وزالت المسرة وبقيت الحسرة

فالمحب بمن أحبه قتيل, وهو له عبد خاضع ذليل, وإن دعاه لبابه, وإن قيل له: ما تتمنى ؟ فهو غاية ما يتمناه, ولا يأنس بغيره ولا يسكن إلى سواه.

                         [ كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد]

محبة الله جل وعلا تدفع مرض العشق:

إذا امتلأ القلبُ من محبة الله والشوق إلى لقائه, دفع ذلك عنه مرض عشق الصور

 

علاج العشق:

والعشق لما كان مرضاً من الأمراض كان قابلاً للعلاج...فإن كان مما للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعاً وقدراً, فهو علاجه

وإن كان لا سبيل للعاشق إلى وصال معشوقه قدراً أو شرعاً, أو هو ممتنع عليه من الجهتين, وهو الداء العضال, فمن علاجه إشعارُ نفسه اليأس منه, فإن النفس متى يئست من الشيء, استراحت منه, ولم تلفت إليه, فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس, فقد انحرف الطبع انحرافاً شديداً, فينتقل إلى علاج آخر, وهو علاج عقله بأن يعلم بأن تعلُّق القلب بما لا مطمع في حصوله نوع من الجنون, وصاحبة بمنزلة من يعشق الشمس,...وهذا معدود عند جميع العقلاء في زمرة المجانين.

وإن كان الوصال متعذراً شرعاً لا قدراً, فعلاجه أن ينزله منزلة المتعذر قدراً, إذ ما لم يأذن فيه الله فعلاجه العبد ونجاته موقوف على اجتنابه, فليشعر نفسه أنه معدوم ممتنع لا سبيل له إليه,...فإن لم تجبه النفس الأمارة فليتركه لأحد أمرين:

إما خشية فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له وخير له منه وأدوم لذة وسروراً, فإن العاقل متى وازن بين نيل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظم منه وأدوم وأنفع وألذ أو بالعكس ظهر له التفاوت, فلا تبع لذة الأبد...بلذة ساعة تنقلب آلاماً, وحقيقتها أنها أحلام نائم...فتذهب اللذة وتبقي التبعة.

الثاني: حصول مكروه أشقَّ عليه من فوات هذا المحبوب, بل يجتمع له الأمران, أعنى: فوات ما هو أحبَّ إليه من هذا المحبوب, وحصولُ ما هو أكره إليه من فوات هذا المحبوب, فإذا تيقن أن في إعطاء النفس حظها من هذا المحبوب هذين الأمرين, هان عليه تركه, ورأى أن صبره على فوته أسهل من صبره عليهما بكثير, فعقله ودينه ومروءته وإنسانيته تأمرهُ باحتمال الضرر اليسير الذي ينقلب سريعاً لذةً وسروراً وفرحاً لدفع هذين الضررين العظيمين, وجهله وهواه, وظلمه وطيشه..يأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه من جالباً عليه ما جلب, والمعصوم من عصمه الله.

فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء, ولم تطاوعه لهذه المعالجة, فلينظر ما تجلبُ عليه هذه الشهوةُ من مفاسد عاجلته, وما تمنعها من مصالحها, فإنها أجلبُ شيء لمفاسد الدنيا, وأعظم شيء تعطيلاً لمصالحها, فإنها تحول بين العبد وبين رشده الذي هو ملاك أمره, وقوام مصالحه.

فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء, فليتذكر قبائح المحبوب, وما يدعوه إلى النفرة عنه, فإنه إن طلبها وتأملها, وجدها أضعاف محاسنه التي تدعو إلى حبه, وليسأل جيرانه عما خفي عليه منها...ولا يكن ممن غره لون جمال...وليجاوز بصره حسن الصورة إلى قبح الفعل, وليعبُر من حسن المنظر والجسم إلى قبح المخبر والقلب.

فإن عجزت عه عن هذه الأدوية كلها فلم يبق له إلا صدق اللجأ إلى من يُجيب المضطر إذا دعاه, وليطرح نفسه بين يديه على بابه, مستغيثاً به, متضرعاً, متذللاً, مستكيناً, فمتى وفق لذلك, فقد قرع باب التوفيق, فليعفَّ وليكتم, ولا يُشبَّب بذكر المحبوب, ولا يفضحه بين الناس ويُعرضه للأذى, فإنه يكون ظالماً معتدياً.

  العشق والقلوب الفارغة من محبة الله:

العشق تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى, المعرضة عنه.

                    [كتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح]

من أسباب العشق:

وجعل إطلاق النظر في الصور: مفتاح الطلب والعشق

                              [كتاب: الداء والدواء]

أول أسباب العشق, وما يدفعه:

أول أسباب العشق الاستحسان, سواء تولد عن نظر أو سماع, فإن لم يقارنه طمع في الوصال, وقارنه الإياس من ذلك, لم يحدث له العشق, فإن اقترن به الطمع, فصرفه عن فكره, ولم يشتغل قلبه به, لم يحدث له ذلك.

فإن أطال مع ذلك الفكر في محاسن المعشوق, وقارنه خوف ما هو أكبر عنده من لذة وصالة: إما خوف ديني كدخول النار, وغضب الجبار, واحتقاب الأوزار, وغلب هذا الخوف على ذلك الطمع والفكر, لم يحدث له العشق.

فإن فاته هذا الخوف, فقارنه خوف دنيوي, كخوف تلاف نفسه وماله, وذهاب جاه وسقوط مرتبته عند الناس, وسقوطه من عين من يعز عليه, وغلب هذا الخوف لداعي العشق دفعه.

وكذلك إذا خاف من فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له من ذلك المعشوق, وقدم محبته على محبة المعشوق, اندفع عنه العشق

المفاسد العاجلة والآجلة للعشق:

& فيه من المفاسد العاجلة والآجلة وإن كانت أضعاف ما يذكره ذاكر فإنه يفسد القلب بالذات وإذا فسد فسدت الإرادات والأقوال والأعمال, وفسد نفس التوحيد

& من المعلوم أنه ليس في عشق الصور مصلحة دينيه ولا دنيوية, بل مفسدته الدينية والدنيوية أضعاف أضعاف ما يقدر فيه من المصلحة, وذلك من وجوه: أحدها: الاشتغال بحب المخلوق وذكره عن حب الرب تعالى وذكره.

الثاني: عذاب قلبه بمعشوقه, فإن من أحبّ شيئاً غير الله عُذب به, ولابد.

الثالث: أن العاشق قلبه أسير في قبضة معشوقة, يسومه الهوان, ولكن لسكرة العشق لا يشعر بمصابه.

الرابع: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه, فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور.

الخامس: أن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب...فأبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور, وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات من كل ناحية.

السادس: أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوى سلطانه, أفسد الذهن, وأحدث الوسواس, وربما التحق بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون بها...وهل أذهب عقل مجنون ليلي وأضرابه إلا العشق ؟

السابع: أنه ربما أفسد الحواس أو بعضها إما فساداً معنوياً أو صورياً,

أما الفساد المعنوي فهو تابع لفساد القلب, فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان فيرى القبيح حسناً منه ومن معشوقه.

العشق حكاه الله سبحانه عن طائفتين من الناس: اللوطية والنساء:

الله سبحانه إنما حكى هذا المرض عن طائفتين من الناس, وهما اللوطية والنساء, فأخبر عن عشق امرأة العزيز ليوسف وما راودته وكادته به, وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه, مع أن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله عليه.

والطائفة الثانية التي حكى الله عنهم العشق هم اللوطية, كما قال تعالى: {﴿ وَجَآءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡتَبۡشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ ضَيۡفِي فَلَا تَفۡضَحُونِ * َوَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ * قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ * قَالَ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِيٓ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ * لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ﴾} [الحجر:67-72] فحكاه سبحانه عن طائفتين عشق كل منهما ما حُرم عليه من الصور, ولم يبال بما في عشقه من الضرر.

العشق قد يكون كفراً:

وهو أقسام: فإنه تارة يكون كفراً, كمن اتخذ معشوقه نداً يحبه كما يحبّ الله, فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه, فإنه من أعظم الشرك, والله لا يغفر أن يشرك به, وإنما يُغفر بالتوبة النصوح.

وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضا معشوقه على رضا ربه, وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحظه وحق ربه وطاعته قدم حقَّ معشوقه على حق ربه, وآثر رضاه على رضاه, وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه, وبذل لربه – إن بذل – أردأ ما عنده, واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والقرب إليه, وجعل لربه – إن أطاعه – الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته.

عشق المردان, ودواء هذا الداء:

العشق...أقسام:

عشق هو مقت من الله, وبعد من رحمته, وهو أضر شيء على العبد في دينه ودنياه, وهو عشق المردان, فما ابتلي به إلا من سقط من عين الله, وطرده من بابه, وأبعد قلبه عنه, وهو من أعظم الحجب القاطعة عن الله, كما قال بعض السلف: إذا سقط العبد من عين الله ابتلاه بمحبة المردان.

ودواء هذا الداء الدوي: الاستعانة بمقلب القلوب, وصدق اللجأ إليه, والاشتغال بذكره, والتعوض بحبه وقربه, والتفكر في الألم الذي يُعقِبه هذا العشق, واللذة التي تفوته به, فيترتب عليه فوات أعظم محبوب, وحصول أعظم مكروه, فإن أقدمت نفسه على هذا وآثرته فليكبر عليها تكبيره على الجنائز وليعلم أن البلاء قد أحاط به

مقامات العاشق:

العاشق له ثلاث مقامات: مقام ابتداء ومقام توسط ومقام انتهاء. فأما مقام ابتدائه فالواجب عليه فيه مدافعته بكل ما يقدر عليه إذا كان الوصول إلى معشوقه متعذراً قدراً أو شرعاً فإن عجز عن ذلك وأبى قلبه إلا السفر إلى محبوبه وهذا مقام التوسط والانتهاء فعليه كتمان ذلك وأن لا يفشيه إلى الخلق, ولا يشبب بمحبوبه ويهتكه بين الناس, فيجمع بين الشرك والظلم, فإن الظلم في هذا الباب من أعظم أنواع الظلم.

دواء العشق:

& ودواء هذا الداء القتّال: أن يعرف ما ابتلي به من الداء المضاد للتوحيد أولاً, ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه, ويكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه وأن يراجع بقلبه إليه.

وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه:  {﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾} [يوسف:34] فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه, فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله, لم يتمكن منه عشق الصور, فإنه إنما يتمكن من قلب فارغ كما قال:  فصادف قلباً خالياً فتمكنا

& فإن قيل: وهل مع ذلك كله من دواء لهذا الداء العضال, ورقية لهذا السحر القتال؟ وما الاحتيال لدفع هذا الخبال ؟

والكلام في دواء هذا الداء من طريقين:

أحدهما: حسم مادته قبل حصولها. والثاني: قلعها بعد نزولها.

وكلاهما يسير على من يسره الله عليه ومتعذر على من لم يعنه فإن أزمة الأمور بيديه 

فأما الطريق المانع من حصول هذا الداء فأمران: أحدهما غضّ البصر

الثاني: اشتغال القلب بما يصده عن ذلك, ويحول بينه وبين الوقوع فيه

فالنفس لا تترك محبوباً إلا لمحبوب أعلى منه, أو خشية مكروهٍ حصوله أضرّ عليها من فوات هذا المحبوب, وهذا يحتاج صاحبه إلى أمرين إن فُقدا أو أحدهما لم ينتفع بنفسه

أحدهما: بصيرة صحيحة يفرق بها درجات المحبوب والمكروه, فيؤثر أعلى المحبوبين على أدناهما, ويحتمل أدنى المكروهين ليخلص من أعلاهما, وهذا خاصة العقل, ولا يعد عاقلاً من كان بضد ذلك, بل قد تكون البهائم أحسن حالاً منه.

الثاني: قوة عزم وصبر يتمكن بها من هذا الفعل والترك, فكثيراً ما يعرف الرجل قدر التفاوت, ولكن يأبى له ضعف نفسه وهمته وعزيمته على إيثار الأنفع, من جشعه وحرصه ووضاعة نفسه وخسة همته, ومثل هذا لا ينتفع بنفسه, ولا ينتفع به غيره.

                             كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 0
  • 0
  • 43

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً