معاني الحمد لله
الحمدُ لغة "الثناء" وهو نقيض الذمّ؛ وهو مصدرٌ للفعل الثلاثيّ المتعدي ووزنه "فَعْل"
كتب: محمد بن عبد الله يسير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
الحمدُ لغة "الثناء" وهو نقيض الذمّ؛ وهو مصدرٌ للفعل الثلاثيّ المتعدي ووزنه "فَعْل" فإذا أرادوا بناءَ المَرَّةِ والنوعِ رَجعوا إليه، لكن التحميد أبلغ من الحمد لأن صيغة تفعيل تفيد التكثير والتكرير والمبالغة والتتابع على فترات، وأما الحمد في الاصطلاح، فقد عرَّفه الجرجاني بأنه "الثناء على الجميل من جهة التعظيم على النعمة وغيرها"، والحمد ثناء ومدح وشكر وزيادة، والذي اختص الله به نفسه هو الحمد الكامل التام من جميع الوجوه، وهو المستغرق لجميع المحامد والكمالات، المستلزم تنزيه الله عن النقائص والعيوب، والحمد شرعا هو "فعل مقصود ينبئ عن تعظيم الله بالثناء عليه بصفات كماله الحاصل الدائر بين الجمال والجلال وفعله واحسانه الواصل الدائر بين الفضل والعدل مع المحبة والرضا والانقياد". ولذلك قال ابن عباس "الحمد هو الشكر والاستخذاء لله"_أي الخضوع والانقياد له_ فقولنا "فعل" يُشعر بتعظيم المُنعم بسبب كونه مُنعماً وبسبب كونه أهلا لهذا التعظيم وذلك الفعل إما فعل القلب أى الإعتقاد بإتصاف المحمود بصفات الكمال والجلال ، وإما فعل اللسان أي ذكر ما يدل عليه ، وإما فعل الجوارح وهو الإتيان بأفعال دالة على ذلك، ولذلك أبعد من جعل مورد الحمد اللسان والجنان دون الجوارح لماذا؟ لأن الحمد إن كان على احسان الله وانعامه على عباده فهو الشكر، وإن كان لما يستحقه سبحانه من نعوت الكمال والجلال والجمال فهو الحمد، فالصحيح الراجح أن الحمد يكون بالقول والاعتقاد والعمل والنية والترك وكلها تسمى "فِعْلاً" قال الشافعي "أفادتكم النعماء مني ثلاثة : يدي ، ولساني ، والضمير المحجبا"، وفي التنزيل (( {اعملوا آل داود شكرا} )) قال فيها أبو عبد الرحمن الحبلي : "الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر وأفضل الشكر الحمد" وقال محمد بن كعب القرظي " الشكر تقوى الله والعمل الصالح" وقال ابن القيم :"الشكر يكون بالقلب: خضوعاً واستكانةً، وباللسان: ثناءً واعترافاً، وبالجوارح: طاعةً وانقياداً" ولذلك تجد الحمد كثيرا ما يتعدى باللام (الحمد لِلَّهِ) فتكون اللام لتأكيد مصدر الفعل وتقوية معانيه أو تكون للتعليل أي لأجل الله وابتغاءً لوجهه أو تكون للاختصاص والاستحقاق ولبيان القصد والإخلاص مع كمال إرادة واستحقاق الطاعة والخضوع لله، بل اللام هنا تجمع كل تلك المعاني.
وحمد الله تعالى نوعان باعتبار متعلقه: أولها حمد مستحق واجب لذات الله سبحانه وتعالى؛ لأنه متصف بصفات الكمال. وثانيها حمد على إحسانه تعالى إلى عباده، وتفضله عليهم بالنعم، وهو نوع من الشكر. والحمد باعتبار معناه اللغوي على ضربين: أولها لفظي وهو قول "الحمد لله" وثانيها معنوي وهو ثناء وتعظيم لله جل وعلا بما يليق به والعمل بمقتضى هذا التبجيل مع تجنب ما ينقضه أو ما ينقص كماله، فيكون الحمد إيمانا وتوحيدا، فالحمد بذلك أوفر الاذكار حظا في الاسلام مطلقا، فهو من أجمل ما مدح الله به نفسه ومن أعظم ما أثنى به عليها، وأول ما بدأ به كتابه، وبدأ الله بالحمد الخلق في الدنيا ثم ختم به الأمر يوم القيامة، وهو الذكر الذي لا ينقطع أبدا ما دامت السماوات والأرض، ففي الدنيا حمد وعند البعث والنشور حمد ولدخول الجنة حمد والاستقرار فيها حمد ثم الحياة فيها أبد الآبدين بالحمد، يحمد الله في السراء والضراء، وعلى المنع والعطاء، في أول الكلام ووسطه وآخره، و"أل" في "الحمد لله" للاستغراق، أي كل الحمد لله تعالى، والذي يستحق الحمد كله، والثناء كله، والتمجيد كله هو المتصف بجميع صفات الكمال.
والحمد باعتبار معناه نوعان متلازمان لا يحصل تمامه إلا باجتماعهما :أحدها تنزيه الله تعالى عن النقائص والعيوب وتنزيهه عن التمثيل والتشبيه وثانيها اثبات صفات الكمال والجلال والجمال له، فمن أثبت لله صفات الكمال ونفى عنه النقائص والتمثيل فقد أفرده بالحمد المطلق الذي لا يشركه فيه شيء، فالحمد أصل التوحيد لجمعه بين النفي والاثبات ولجمعه معاني التعظيم والخضوع والطاعة والعبادة والذكر والدعاء، ولذلك تجده يفرد أو يقرن مع الباقيات الصالحات وهو منها ومع اسماء الله وصفاته ومع الاستغفار ومع الدعاء، وأما الحمد باعتبار فاعله فإن الله الحميد المحمود حمد نفسه مدحا لها وثناءً وتنزيها وتعظيما فقال (الحمد لله) وبحمد نفسه يتعرف إلى عباده ببيان ما يليق بكماله من أسماء وصفات وأفعال وما لا يليق به من النقائص والعيوب، وحمد نفسه إرشادا وأمرا لعباده ان يحمدوه حمدا لفظيا باللسان ومعنويا بالجنان وعمليا بالأركان كما يحبه ربنا ويرضاه، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا يفقه الناس تسبيحهم وحمدهم، فالحمد وظيفة مشتركة بين جميع الكائنات العاقل منها وغير العاقل، وأما حكم الحمد من حيث الاعتقاد فاتفق العلماء قاطبة أنه فرض عين على المكلفين، وذهب أكثرهم أنه مندوب في الصلاة وخارجها، والصحيح الراجح أنه واجب في الصلاة وخارجها لماذا؟ لأن الحمد ثناء و تنزيه وتعظيم لله تعالى وهو واجب في كل الأوقات والأحوال ولأن الله سبحانه أمر به فقال (الحمد لله رب العالمين) والأصل في الأمر المجرد عن القرينة الوجوب، ولا يتحقق الحمد والذكر إلا باللفظ الذي يواطيء الاعتقاد وذلك لأن اللفظ قالب المعنى والمطلوب قول اللسان بذكر لفظ الجلالة مع تنزيهه عن النقائص وإظهار ذلك ولأن قاعدة أهل السنة تلازم الظاهر والباطن فإذا كان الاعتقاد واجبا كان اللفظ الدال عليه واجبا فالحمد توحيد ومن أوجب الواجبات وكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ واجبة على كل سلامى من بني آدم لكن الإكثار منه بحيث يغلب على اللسان يبقى مندوبا وفرصة للتنافس بين المكثرين ويسبق إليه المفردون إذا انتفت موانع الاتيان به أو زاحمه ما هو أوجب منه أو أفضل، وأما فضائل الحمد فكثيرة منها
أن "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيِّهن بدأت" وأن "أفضل الدعاء الحمد لله" وأن هناك «"كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ"» وأن غراس الجنة « "سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ"» ويتأكد التحميد في مواطن: عند النوم وعند الانتباه ليلاً وإذا رأى في منامه خيراً وفي الصباح والمساء وإن أراد أن يقول شيئاً ذا بال وعند ركوب الدابة ودبر الصلاة وقبل الدعاء وعند حلول النعم وبعد الأكل والشرب وعند رؤية المبتلى في ختام المجلس وعند العطاس
فالحمد لله، كلمةُ مباركة، وهي ثناء في دعاء، ودعاء في ثناء، فحمده ملأ الزمان والمكان والأعيان، وعم الأحوال كلها، فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، وله الحمد في الآخرة؛ لأن في الآخرة يظهر من حمده، والثناء عليه، ما لا يكون في الدنيا، فأهل الجنة، يرون من توالي نعم الله، وإدرار خيره، وكثرة بركاته، وسعة عطاياه، التي لا يبقى في قلوب أهل الجنة أمنيةٌ، ولا إرادة، إلا وقد أعطى منها كُل واحدٍ منهم فوق ما تمنى وأراد، بل يُعطون من الخير ما لم تتعلق به أمانيهم، ولا يخطر بقلوبهم ، فما ظنُّك بحمدهم لربهم في هذه الحال، مع أن في الجنة تضمحل العوارض والقواطع التي تقطع عن معرفة الله، ومحبته، والثناء عليه، ويكون ذلك أحب إلى أهلها من كل نعيمٍ، وألذ عليهم من كل لذةٍ هذا إذا أضفت إلى ذلك أنه يظهر لأهل الجنة في الجنة كلَّ وقتٍ، من عظمة ربهم، وجلاله، وجماله، وسعة كماله، ما يوجب لهم كمال الحمد والثناء عليه.
وتفاصيل حمده وما يُحمد عليه لا تحيط بها الأفكار، ولا تحُصيها أقلام الدنيا وأوراقها، ولا قوى العباد، وتقصر بلاغات الواصفين عن بلوغ كُنهها، وتعجز الأوهام عن الإحاطة بالواحد منها، وإنما هو التنبيه والإشارة.
وكتبه محمد بن عبد الله يسير
- التصنيف: