عجز المشتاق
كلما خمد ضجيج العالم، وسكن صوت الهاتف، وأويت إلى ركني أستعدّ لساعات الليل، هبّت على القلب ريحٌ خفيفة، ولكنها تعرف جيدًا من أين تُؤتى السكينة، ريحٌ اسمها: لماذا لا أفعل؟
كلما خمد ضجيج العالم، وسكن صوت الهاتف، وأويت إلى ركني أستعدّ لساعات الليل، هبّت على القلب ريحٌ خفيفة، ولكنها تعرف جيدًا من أين تُؤتى السكينة، ريحٌ اسمها: لماذا لا أفعل؟
إنني أشتاق، والله يعلم كم أشتاق! أشتاق لركعةٍ طويلةٍ في جوف الليل، تهمس فيها الروح بما عجز عنه اللسان في ضجيج النهار، أشتاق لصفحةٍ من القرآن تُتلى في خشوعٍ تام، كأنها أول مرة أنزل فيها الوحي، أشتاق للدعاء، للبكاء، لتلك اللحظات التي كان القلب فيها قريبًا كأن بينه وبين السماء خيطًا من نور.
ولكن مع كل هذا الشوق، لا أُقدِم، لا أبدأ، لا أُواصل، يمرّ اليوم بعد اليوم، والأمنية في مكانها، والنية على حالها، والتقصير يزداد اتساعًا، حتى كأنّ بيني وبين طاعتي سورًا من زجاج؛ أراها واضحةً، قريبةً، لكن لا أبلغها، ذلك التناقض المرير بين حرارة الشوق وجمود الإرادة، بين صدق الأمنية وخذلان التنفيذ.
وكلما أويت إلى فراشي، واستعدت شريط يومي، أخذت أتمثّل مشهدًا مكررًا: قلبٌ يتحرّق، وجوارح لا تتحرّك! فهل الشوق يكفي؟ هل إن بكيتَ لذنبك دون أن تتركه، غُفر لك؟ هل إن رغبتَ في الطاعة دون أن تسعى إليها، قُبلت؟ وهل يسعف المشتاقَ شوقُه إن قصّر في المسير؟
نظرتُ حولي، فرأيت كثيرًا من الناس يحملون هذا الهمّ ذاته، يتحدثون عن عظمة القرآن وهم لا يمسّونه، عن شرف القيام وهم لا يقومون، عن حب الله وهم لا يقرّبهم فعلهم إليه، فأدركت أن فينا داءً خفيًا اسمه: الفتور المزخرف بالشوق، فتورٌ مخادع، يُسكّن الضمير، ويعطيك شعورًا زائفًا أنك بخير، لأنك "تتألم"، رغم أنك لا "تعمل".
ويزيد الألم حين تتلو قوله تعالى: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورًا} فمن أراد الآخرة، فليُري الله من نفسه ما يدلّ على صدق الإرادة، لا صدق التمنّي، والله لا يضيع أجر من سعى.
- التصنيف: