لمحةٌ عقدية في رحمة خير البرية ﷺ
بلغ النبيُّ ﷺ الغايةَ في الرَّحمة البشرية بالناس، القريبِ والبعيد، والكبيرِ والصغير، بل وبالحيوانِ والجَماد.
بلغ النبيُّ ﷺ الغايةَ في الرَّحمة البشرية بالناس، القريبِ والبعيد، والكبيرِ والصغير، بل وبالحيوانِ والجَماد.
وانحرفَ بعضُ الجَهَلة في فهمِ رحمته ﷺ، حتى مالُوا إلى عبادته من دون الله، فذهبوا يسألونه الشفاعة بعد موته ويستغيثون به، ويقول قائلهم:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بــه ** سواك عند حدوث الحادث العمِم
ولن يضيق رسولَ الله جاهُك بي ** إذا الكريمُ تحلّى باسمِ منتقــــــم!
يعني: أنك من سيرحمني ويشفع لي في موقف الحشر الذي يتصف الله فيه بالانتقام بدل الكرم!
فعلى العبد أن يعلم أن رحمةَ النَّبيّ ﷺ إنَّما هي أثرٌ من آثار رحمة الله تعالى.
- فالرَّحمنُ سبحانه برحمتِه خلقَ محمدًا ﷺ، وكمّل أوصافه، وهيّأ في تربيته أسبابَ الرحمة، {ألم يجدك يتيمًا فآوى..}.
- ثمّ أوحى إليه القرآن برحمتِه: {(وربُّك الأكرم الذي علّم بالقلم}، {الرّحمنُ * علّمَ القرآن}، «وما كُنتَ ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمةً من ربِّك».
- ثم ألانَ قلبه وعطفه على المؤمنين برحمته {فبما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك}.
- وهداه هدايةً خاصةً ليكون كما وصفه {حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}، وليدعوَ لأمته: «اللهم أمّتي أمّتي»، حبًّا من الله الرحيم أن يجيب دعاءه ذلك.
- ثم فتح له باب الشفاعة في المؤمنين، وأذِنَ له بها، فيفتَحُ عليه يوم القيامة برحمتِه محامدَ ليحمدَه بها، ليقول له بعدها برحمته: (اشفع تُشفّع!).
فهذا كله برحمة الرحمن سبحانه، وهو مُولي الفضل ومُسدِيه، والمنعم علينا بهذا النبي الكريم الرحيم ﷺ، فمِن كُفران النعمة، الغفلةُ بها عن المُنعِم، ومِن شُكرِ النِّعمة محبّةُ النبي ﷺ تبعًا لمحبّة الله الذي رحَمِنا به، وأنعم علينا بقلبه الرؤوف الرّحيم.
وانتقامُ الجبّار يوم القيامة إنما هو انتقامٌ من المجرمين، وغضبه إنما هو متوجّهٌ إليهم، وهؤلاء لا تنفعُهم شفاعَة، بل لا يؤذَن لأحَدٍ -ملَكٍ أو نبيٍّ- أن يشفعَ فيهِم، ومِن هَول ذلك الموقف يخافُ الخَلق كلُّهم حتى الأنبياء، وهذا من حكمة الله تعالى، ليشهَد المؤمن والكافر عظمة الربّ وسلطانه وبطشه وعذابه، فيزداد الكافر حسرةً وألمًا على ما فعَل، ويكونُ رضا الله عنِ المؤمنين بعدها ورحمتُه بهم أعظمَ قدرًا في قلوبهم، فيزدادوا معرفةً بربهم ومحبّةً له على كمال صفاته بجماله وجلاله.
وذلك الغضب سيكون سببًا في توجُّه الخلق لطلب الشفاعة من النبي ﷺ في ذلك الموقف الذي يكون فيه حيًّا حاضرًا يخاطبونه مواجهةً فيكون طلبُهم جائزًا، لكنّه ليس سببًا مسوّغًا لدعائِه الآن من دون الله وطلبِها منه وهو ميّت، فإن الله لم يَزل رحيمًا سميعًا مجيبًا، وإنما تُنال تلك الشفاعة بتوحيدِه ونَيل رضاه، ونحن اليوم في زمن العمل لذلك.
فاللهم أحيِنَا على توحيدك يا كريم، وأوزعنا شكر نعمة النبي الرحيم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
_____________________________________________
الكاتب: لؤي بن غالب الصمادي
- التصنيف: