وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ
يقول تعالى في سورة آل عمران: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) }
{بسم الله الرحمن الرحيم }
يقول تعالى في سورة آل عمران:
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) } {{سَنُلْقِي}} سنقذف.. بنون العظمةِ على طريقة الالتفاتِ من الغيبة، في قوله: {وَهُوَ خَيْرُ الناصرين} جرياً على سَنن الكبرياءِ لتقوية المهابةِ.
قال ابن عثيمين: "وعبر عن نفسه تعالى بفعل يقتضي الجمع مريداً بذلك التعظيم (أي سنلقي نحن)، ولا يمكن أن يراد به إلا ذلك؛ لأن الله واحد ليس متعدداً، فلا يمكن أن يكون معه أحد بخلاف غيره، فإنك إذا قلت لشخص: سنأتيك يحتمل أنك أردت التعظيم، ويحتمل أنك أردت الجمع، أما بالنسبة الله عز وجل فلا يمكن أن يراد الجمع الذي هو التعدد وإنما يراد به التعظيم.
ويدل لهذا قوله تعالى في سورة الأنفال: {{إذ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}} [الأنفال:١٢]، فالله سبحانه وتعالى هو الملقي لكنه يذكر نفسه تعالى أحياناً بصيغة الإفراد لأنه واحد، وأحياناً بصيغة الجمع لأنه عظيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويحتمل أنه يذكر نفسه بصيغة الجمع لما له من الجنود العظيمة التي لا يعلمها إلا هو، فيكون هذا إشارة إلى أنه ذو عظمة وسلطان وجنود تفعل ما يأمر به جل وعلا".
والسين تدخل على الفعل المضارع وتفيد أمرين: القرب، والتحقيق.. وهي تفيد القرب من وجه وتفيد التحقيق من وجه آخر، بخلاف «سوف» فإنها تفيد التحقيق وتفيد الإمهال، ولهذا تكون «سوف» للتسويف والسين للتنفيس أي القرب.
والإلقاء حقيقته: رمي شيء على الأرض { {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ}} [الشعراء:44]، أو في الماء {{فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}} [القصص:7] ويطلق على الإفضاء بالكلام: {{يُلْقُونَ السَّمْعَ}} [الشعراء:223] وعلى حصول الشيء في النفس كأن ملقيا ألقاه أي من غير سبق تهيؤ {{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}} [المائدة:64] وهو هنا مجاز في الجعل والتكوين كقوله: {{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}} [الأحزاب:26].
{{فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا}} قدم المجرور على المفعول به؛ اهتماماً بذكر المحلّ قبل ذكر الحَال.
{{الرُّعْبَ}} أشد الخوف.. وأصله من الملء مع الاضطراب، يقال سيل راعب، يملأ الوادي ويضطرب به، ورعبت الحوض ملأته، والمعنى: سنملأ قلوب المشركين خوفا وفزعا.
ومن حكمته تعالى أن رتب على الأمور الخبيثة آثار خبيثة، فإن الشرك لما كان اعتقاد تأثير ممن لا تأثير له، وكان ذلك الاعتقاد يرتكز في نفوس معتقديه على غير دليل، كان من شأن معتقده أن يكون مضطرب النفس، متحيرا في العاقبة في تغلب بعض الآلهة على بعض، فيكون لكل قوم صنم هم أخص به، وهو في تلك الحالة يعتقدون أن ليس لغيره من الأصنام مثل ما له من القدرة والغيرة. فلا تزال آلهتهم في مغالبة ومنافرة. كما لا يزال أتباعهم كذلك، والذين حالهم كما وصفنا لا يستقر لهم قرار في الثقة بالنصر في حروبهم، إذ هم لا يدرون هل الربح مع آلهتهم أم مع أضدادها.
وإنما يذكر الله عز وجل أنه يلقي الرعب في القلب؛ لأن القلب إذا دخله الرعب فإنه لا يمكن أن يثبت البدن، ولو ثبت البدن أو حاول الإنسان الثبات فإن قلبه من شدة الرعب سوف يحمله عن الأرض حملاً ويفر ولا يمكن أن يبقى، فالرعب أقوى سلاح يكون على العدو، فإذا ألقى الله الرعب في قلوب العدو؛ فإنه لن يبقى .
وهذا من تمامِ ما تقدم من وجوه الترغيبِ في الجهاد وعدم المبالاةِ بالكفارِ.
قيل: هذا الوعدُ مخصوصٌ بيوم أحُد؛ لأن الآياتِ المتقدمة إنما وردت في هذه الواقعة. وأن الكفار لما ذهبوا متوجهين إلى مكة -وكانوا في بعض الطريقِ- ندموا، وقالوا: ما صنعنا شيئاً، قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا الشديد، ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا حتى نستأصلهم بالكُلية، فلما عزموا على ذلك ألقى اللهُ الرُّعْبَ في قلوبهم.
وقيل: إنَّ هذا الوْعَد غير مختصٍّ بيوم أُحُد، بل هو عام.
قال القفالُ: كأنه قيل: إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أُحُدٍ، إلا أنّ اللهَ تعالى سَيُلْقي الرُّعب منكم بعد ذلك في قلوب الكُفَّار حتى يقهر الكفار، ويُظْهِرَ دينكم على سائِرِ الأديان، وقد فعل الله ذلك، حتى صار دين الإسلام قاهراً لجميع الأديان والملل. ونظير هذه الآية قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ). [البخاري].
فهل هذه سنة أهل الإيمان مع المشركين وأشباههم دائما؟
والجواب عن ذلك: أنه شأن المؤمنين حقا وصدقا إذا لم يضعفوا ولم يذلوا، ولم يوالوا أعداء المؤمنين على المؤمنين، بل يأخذون الأهبة، ويغلبون الهدى على الضلال، ويجعلون الله مولاهم.
فإذا رأينا الحال قد تغيرت، فليس ذلك لتغير سنة الله في خلقه، ووعده لأنبيائه والصديقين معهم، بل لتغير حال المؤمنين، {{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}} [الرعد:11]
ولقد تنبأ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما آل إليه المسلمون، وبين أن ذلك سببه الوهن الذي يتولد عن حب الدنيا، وكراهية الموت، وإنه عندما تصاب القلوب بهذه الإصابة ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الله ينزع من قلوب أعدائهم المهابة منهم.
روى أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا)، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ)، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)» .
فإذا كنا نرى المؤمنين قد أُلقي في قلوبهم الرعب بدل الكافرين، فليس في هذا مخالفة لوعد الله؛ لأن بعض المسلمين في هذه الأيام وَالَوْا الكافرين على المؤمنين، وذلُّوا تحت ولايتهم واستخذوا لهم واستَعْدُوهم على أهل الإسلام، فنزع الله المهابة من أهل الإيمان، فكان ما كان، وشرط إلقاء الرعب في قلوب الكافرين ألا نطيعهم، فقد وقعنا إذن في المنهي عنه في قوله تعالى: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَردّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ك فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}} .
ولقد أطعناهم وواليناهم دون المؤمنين، ولم نتخذ الله مولى لنا، فخسرنا خسرانا مبينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
{{بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ}} بسبب إشراكهم بالله آلهة مزعومة فإنه من موجبات خِذْلانِهم ونصرِ المؤمنين عليهم.
والسببية التي أشار إليها سبحانه وتعالى في قوله: {بِمَا أَشْرَكوا بِاللَّهِ} لها توجيهان:
أحدهما: أن الله تعالى يلقي الرعب في قلوبهم لأنهم عاندوا الله سبحانه، وحادوه، وأشركوا معه في العبادة، ولأنهم ينشرون بهذا التفكير الفاسد الشر والفساد في الأرض، والله تعالى لَا يحب الفساد، وهو ينصر الخير على الشر، والصلاح على الفساد، فالسببية هي إرادة الله تعالى التي بها قوام كل معوج وصلاح كل فاسد.
وثانيهما: أن السبب في إلقاء الرعب من حالهم هم، ذلك لأنهم يعبدون ما لا ينفع ولا يضر، ولا تقوم عندهم حجة ولا شبه حجة على صلاحية ما يعبدون للعبادة، ويكون الوهم هو الذي سيطر، والهوى هو الذي تحكم، ومن تتحكم فيه أهواؤه وأوهامه يكون مضطرب النفس مزلزل القلب تزعجه الكوارث، ويضطرب عند نزول أي حادث، فكان الشرك وتحكمه في النفس هو السبب في الرعب والخوف والفزع، إذ هم يخافون من غير مخوف، ويفزعون في غير مفزع.
وقال في البحر المحيط: لأنهم يكرهون الموت ويؤثرون الحياة، إذ لم تتعلق آمالهم بالآخرة ولا بثواب فيها ولا عقاب، فصار اعتقادهم ذلك مؤثراً في الرغبة في الحياة الدنيا كما قالوا: {{إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}} [المؤمنون:37]
** وفيه: أنه إذا كان الرعب يلقى في قلوب الذين كفروا لإشراكهم، فإن الأمن يلقى في قلوب الذين آمنوا لتوحيدهم؛ لأن ما ثبت للشيء ثبت ضده لضده، فإذا ثبت الرعب للكفار بسبب إشراكهم ثبت الأمن للمؤمنين بتوحيدهم، ويدل لهذا قوله تعالى: {{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}} [الأنعام:٨٢]، والظلم هو الشرك كما فسره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نزلت هذه الآية. قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: « (لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣])»
فكلما كان الإنسان أشد إيماناً بالله وأشد توحيداً له كان أشد أمناً واستقراراً، وهذا شيء مجرب؛ لأنه من كان أشد إيماناً بالله وأشد توحيداً لله كان أقوى توكلاً عليه، ومن أقوى أسباب الأمن ومصابرة الأعداء التوكل على الله عزّ وجل حتى إن من الناس من يقوم توكله على الله مقام الدواء في الشفاء، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو واقع.
فبعض الناس يكون عنده قوة توكل على الله ويشفى بدون علاج بسبب قوة توكله على الله، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حينما ذكر أن الدواء بالمحرم ليس ضرورياً، حتى يقال: إن الدواء بالمحرم جائز للضرورة، قال: هذا ليس للضرورة؛ لأن المريض قد يشفى بدواء آخر وقد يشفى بالقراءة، قال: وقد يشفى بقوة التوكل على الله.
{{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ}} أي بإشراكه، ونفي تنزيله وأريد نفي وجوده، وكان نفي تنزيل السلطان على الإشراك كناية عن نفي السلطان نفسه.
{{سُلْطَانًا}} حجة وبياناً وعذراً وبرهاناً على استحقاقها للعبادة مع الله.
والسلطان هو ما كان له سلطة لأنه يتسلط على النفس، فالدليل يسمى سلطاناً، والأمير على القوم يسمى سلطاناً، وولاية الرجل على أهله سلطان، وهكذا كل من كانت له سلطة فإنه يسمى سلطاناً.
وأصل السلطان القوة، فإنه يقهر بها كما يقهر بالسلطان، وقد يكون السلطان بمعنى القدرة على الشيء مثل قوله تعالى: {{لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانِ}} [الرحمن:٣٣] أي بقدرة، ولا قدرة لكم على نفوذ أقطار السموات والأرض. والسليطة المرأة الصخابة. والسليط الرجل الفصيح اللسان.
فقيد «السلطان» هنا لبيان الواقع وليس للاحتراز، أي أن واقع هؤلاء الشركاء أنه لا سلطان لشركهم ولا دليل، وليس المعنى أنهم يشركون ما لم ينزل به سلطانا ولو أشركوا ما نزل به سلطان لكانوا على صواب.. لا؛ لأنه لا يمكن أن يأتي سلطان -أي حجة- على أن الله له شركاء.
فإذا قال قائل: ما الفائدة من ذكره هذا الوصف الذي يبين الواقع؟
قلنا: الفائدة في ذلك إقامة الحجة على أنه ليس لهم دليل في إشراكهم به؛ لأنهم بنوا على غير سلطان وعلى غير حجة، إذا كان كذلك فالغرض من هذا «التنفير» عن هذا الإشراك.
عكس ذلك أن يأتي وصف لبيان الواقع من أجل «الحث والإغراء» على لزوم الحكم كقوله تعالى: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}} [الأنفال:٢٤] فإن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يدعو الخلق إلى ما يميتهم، وإنما يدعوهم إلى ما يحييهم.. فالقيد إذن لبيان الواقع ولكن جيء به للحث والإغراء على إجابة دعوته، كما أن القيد الذي في الآية هذه {{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}} لبيان بطلان هذا الإشراك وأنه ليس له دليل .
** وفيه إيذانٌ بأن المتَّبعَ في الباب هو البرهانُ السماويُّ دون الآراءِ والأهواءِ الباطلة.
فحالتهم في الدنيا: رعب وهلع من المؤمنين. {{وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}} في الآخرة... والنار هي الدار التي أعدها الله -عز وجل- لأعدائه يعذبهم بها، وهي موجودة الآن عرضت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة الكسوف حتى إنه تأخر مخافة أن يصيبه من وهجها عليه الصلاة والسلام، ورأى فيها من يعذب. وقال: « (مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا)» [مسلم]
{{وَبِئْسَ مَثْوَى}} والمثوى: مَفْعَل، من ثَوَيْتُ أي: أقمت، وقدم المأوى [وهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان] على المَثْوَى [وهو مكان الإقامةِ] لأن الترتيبَ الوجوديَّ أن يأوي، ثم يئوي، ولا يلزم المأوى الإقامة، بخلاف عكسه.
وفي جعلها مثواهم بعد جعلِها مأواهم نوعُ رمزٍ إلى خلودهم فيها.
{{الظَّالِمِينَ}} وصف الظلم للتغليظ والتعليلِ والإشعارِ بأنهم في إشراكهم ظالمون واضعون للشيء في غير موضعِه.
وقد جعل سبحانه وتعالى الاسم في موضع الإضمار، فلم يقل تعالت كلماته: وبئس النار مثواهم، بل قال: {{وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}} للإشارة إلى أن هذا المآل جزاء وفاقا لظلمهم فهو عقاب يستحقونه بسبب الظلم؛ إذ قد ظلموا أنفسهم فأضلوها وصدوها عن الحق وسبيله بسبب الغواية التي ارتضوها، وظلموا الحق فصدوا الناس عنه، وظلموا المؤمنين وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم واعتدوا عليهم وعثوا في الأرض مفسدين، وخضبوها بالدماء البريئة، فكان ما لقوه من هزيمة ورعب وخسران في الدنيا بعض الجزاء، والجزاء الأوفى في الآخرة.
وصدق الله -عز وجل- فإن أبأس دار وأقبح دار وأخبث دار هي النار، ولهذا استحقت هذا الوصف من الله عزّ وجل.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: