الزاهدون في السعادة
يتعجب كثير من الناس من حال أغنياء زهدوا في أموالهم، وعلماء زهدوا في مناصبهم، ومشاهير زهدوا في شهرتهم، ولكن لا عجب من كل هذا ، لأنهم قد زهدوا في أشياء سيفارقونها رغماً عنهم بالموت أو تفارقهم هي، لكن أعجب العجب أن يزهد أحدٌ فيما فيه سعادته الأبدية، وطمأنينته الدائمة، أن يزهد في حياةٍ لا موت يعقبها، وفي صحةٍ لا مرض يكدرها، وفي فرحةٍ لا حزن ينغصها، وفي لذاتٍ لا شيء يمنعها، وذلك كله في جنةٍ أعدّها اللهُ لعباده وزيّنها.
يتعجب كثير من الناس من حال أغنياء زهدوا في أموالهم، وعلماء زهدوا في مناصبهم، ومشاهير زهدوا في شهرتهم، ولكن لا عجب من كل هذا ، لأنهم قد زهدوا في أشياء سيفارقونها رغماً عنهم بالموت أو تفارقهم هي، لكن أعجب العجب أن يزهد أحدٌ فيما فيه سعادته الأبدية، وطمأنينته الدائمة، أن يزهد في حياةٍ لا موت يعقبها، وفي صحةٍ لا مرض يكدرها، وفي فرحةٍ لا حزن ينغصها، وفي لذاتٍ لا شيء يمنعها، وذلك كله في جنةٍ أعدّها اللهُ لعباده وزيّنها.
تجد هؤلاء الزاهدين في الآخرة ؛ لا يزهدون - في المقابل- في أيٍّ من متاع الدنيا القليل الزائل، فتراهم –ولا حرج في ذلك- لا يزهدون في أية علاوة مالية، أو ترقية دورية، أو مكاسب تجارية، أو درجات دراسية، بل يبذلون ويعانون لتحصيلها، ويحرمون أنفسهم من محبوباتهم لتحقيقها، ولو دعوت أحدهم ليستقطع من وقته لأجل مصيره في الآخرة الباقية؛ كأداء صلاة في مسجد، أو انفاق مالٍ لفقير، أو بر والدين وصِلة قريب ، أو حج أو عمرة، أو تلاوة آيات وترديد أذكار، لزهد في كل هذت واستصعبه، وقال بلسان حاله أو مقاله: إن وقته لا يسع، وماله لا يكفي، ومشاغله لا تمكنه من فعل ذلك، ولو تأملوا لوجدوا أن ما يريده الله منهم لينالوا مرضاته ويدخلوا جنته، أقل بكثير مما يفعلونه لأجل الدنيا.
كما تجد الزاهد في الآخرة يبذل لأجل مصالحه الدنيوية ومصالح غيره أفضل أوقاته وأحسن جهده وتفكيره واهتمامه، بل وأمواله – ولا بأس في ذلك كله إذا لم تكن في معصية– إلاّ أنه في نفس الوقت لا يبذل من وقته وتفكيره وأعماله ما تستحقه الآخرة منه، فهو كما وصفه ابن القيم: "يعامل الخلق بأفضل مما يقدر عليه، وإن عامل الله عامله بأهون ما عنده وأحقره، وإن قام في خدمة من يحبه من البشر قام بالجد والاجتهاد وبذل النصيحة، وقد أفرغ له قلبه وجوارحه وقدَّمه على كثير من مصالحه، حتى إذا قام في حق ربه – إن ساعد القدر – قام قياماً لا يرضاه مخلوق من مخلوق مثله"، ووصفه كذلك بقوله: "شغل قلبه عن محبته سبحانه بمحبة الخلق ... وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره؛ كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره"، وصدق رحمه الله حينما قال: "من رغب عن التعب لله؛ ابتلي في خدمة الخلق، ولا بد".
لو قدّم الزاهدون في الآخرة مراضي الله وأوامره على شهواتهم وعلى مراضي من يرجونهم أو يخافونهم ، لسعدوا وأفلحوا، قال ابن القيم: "فالله سبحانه يُعوِّض عن كل من سواه، ولا يعوض منه شيء، ويُغني عن كل شيء، ولا يغني عنه شيء، ويُجير من كل شيء ولا يُجير منه شيء، ويمنع من كل شيء ولا يمنع منه شيء، فكيف يستغني العبد عن طاعة من هذا شأنه طرفة عين؟!"
وختاماً .. فإن من أظهر أسباب الزهد في الآخرة وفي السعي لمرضاة الله تعالى هو: التعلق بالدنيا وإيثارها، كما قال ابن القيم: "وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها؛ يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة"، وخيرٌ من ذلك قول الله تعالى: (بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خيرٌ وأبقى).
كتبه/ منصور بن محمد المقرن
- التصنيف: