وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّه

منذ 16 ساعة

أتوقف كثيرا عند (وذكرهم بأيام الله) لماذا أيام الله؟ ولماذا يجب أن نتذكرها؟ وما الفرق بينها وبين بقية الأيام؟

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.

 

•• في أول السورة نفسها_ سورة إبراهيم _ يمتن الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه أنزل إليه الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، كأنه كما كان هذا الكتاب نورا يهتدي به الناس وسط ظلمات الجهل والحيرة والشك والشهوات والشبهات إلى صراط الله العزيز الحميد، فإن آيات الله وأيام الله تخرج الناس من الظلمات إلى النور وتهديهم عند تكالب القهر والاستضعاف إلى الثبات واليقين والنجاة 

•• أتوقف كثيرا عند (وذكرهم بأيام الله) لماذا أيام الله؟ ولماذا يجب أن نتذكرها؟ وما الفرق بينها وبين بقية الأيام؟ 

•• أيام الله هي الأيام التي نجى الله فيها المؤمنين وأهلك الظالمين، مثلما حدث من نجاة بني إسرائيل وغرق فرعون وجنوده في يوم عاشوراء، إذن هي أيام حدث فيها هذا الفصل بين الفريقين، الحكم بينهما وجزاء كل واحد بما كسب جزاء حاسما بينا ظاهرا لا لبس فيه ولا غموض ولا تأويل، جزاء يعرف كل إنسان على وجه هذه الأرض أنه جزاء عادل حكم الله به على هؤلاء وهؤلاء، ومن هنا تحديدا يأتي معنى الآية التي لا يعتبر بها إلا كل صبار شكور، فالآية هي العلامة والدلالة الواضحة على شيء ما، وهذا الإهلاك للظالمين واستئصال شأفتهم وتدميرهم عن آخرهم أبلغ آية على قدرة الله عز وجل وعظمته وجبروته وإرادته التي لما خالفها هؤلاء قصمهم وأفناهم 

•• كل يوم من أيام الله كأنه صورة مصغرة من يوم القيامة، فالدنيا دار عمل وابتلاء والآخرة هي دار الجزاء، ولقد اقتضت حكمة الله أن يبتلي الناس في هذه الدنيا بعضهم ببعض، فيبتلي المؤمن بالكافر ويبتلي الضعيف بالظالم، واقتضت حكمته أنه قد يؤخر الانتقام من الظالمين إلى يوم القيامة الذي هو يوم الفصل ويوم الحساب فلا ظلم فيه ولا ملك لأحد غير الله، فإذا عُجِّل بالفصل بين الظالم والمظلوم في الدنيا، وإذا حسم القضاء بينهم على رؤوس الأشهاد في الحياة قبل الموت فإن هذه هي أيام الله والنعمة الكبرى والآيات البالغات التي لا يفقهها إلا من صبر على طاعة الله وصبر عن معصيته وصبر على كل أذى ناله جراء إيمانه بربه وتمسكه بدينه، ولا يفقهها إلا كل شكور استشعر عظيم نعمة ربه عليه بالإيمان والنجاة والنصر والتمكين فشكر بقلبه وقوله وفعله 

•• ربما من هنا نفهم خواتيم سورة هود وبعد استعراض قصص الأنبياء مع أقوامهم والتي كانت تختم كل مرة بنجاة المؤمنين وهلاك الكافرين ليأتي التعقيب {إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ، وما نؤخره إلا لأجل معدود} أي كأن العبرة من هذه القصص تذكير الناس بأيام الله وباليوم الآخر الذي لا مفر منه، وتحذير لهم كذلك بألا يغرهم تأخر هذا اليوم فيتجرأوا على الكفر والظلم والمعاصي 

••• وبعد، 
فيوم عاشوراء يوم للتذكر ويوم للشكر، يوم نتذكر فيه كيف غلبت إرادة الله لعباده المؤمنين بالنصر والتمكين رغم استضعافهم وقهرهم وبطش الظالمين بهم، يوم نتذكر فيه كيف أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}، يوم نتذكر فيه كيف يأتي نصر الله عظيما مجيدا مهما طال زمان الابتلاء، يوم نتذكر فيه موسى عليه السلام محاصرا بكل سبب الهلاك فيجيب موقنا {كلا إن معي ربي سيهدين}، يوم نتذكر فيه كيف في لحظة واحدة ينقلب البحر برا وينقلب البر بحرا وينقلب المستضعف وارثا للملك ممكنا له ومنصورا، وينقلب الملك المستعلي غريقا منبوذا يعتبر به الناس إلى يوم الدين •••

لحظة واحدة في عمر الزمان، لحظة واحدة كانت تتكرر كل حين لتقول لكل مقهور: لا تيأس، فإن أزمانا متطاولة من القهر تمحوها لحظة واحدة من اليقين، لا تيأس، فإن أمواج الظلم والعدوان المتلاطمة تفلقها كلمة واحدة من قلب واثق بربه مطمئن لأقداره، لا تيأس وانقش في قلبك {كلا إن معي ربي سيهدين} واسر بها في الظلمات واقطع بها الصحاري واعبر بها البحار واشكر ربك أن هداك إليها وثبتك عليها ونجاك بها 

•• هذا يوم عاشوراء... يوم المعية {كلا إن معي ربي سيهدين}...يوم النجاة {وأنجينا موسى ومن معه أجمعين}... يوم من أيام الله 

  • 1
  • 0
  • 68

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً