أظهِر فرَحَك!

منذ 4 ساعات

يُكلِّف معلمٌ طالبَه ببحوثٍ وواجباتٍ، فيقدِّمها له كما أراد، ثم يعطيه الدرجة الكاملة. ويُطالب مديرٌ موظفَه بمهام وأعمال فيؤديها بإتقان، فتأتيه البشرى بترقية وزيادة في الراتب، فتخيل شعور الفرح، وأحاسيس السعادة، ودرجة الرضا التي تحل بأولئك عندما كافأهم بشرٌ مثلهم!

يُكلِّف معلمٌ طالبَه ببحوثٍ وواجباتٍ، فيقدِّمها له كما أراد، ثم يعطيه الدرجة الكاملة.

ويُطالب مديرٌ موظفَه بمهام وأعمال فيؤديها بإتقان، فتأتيه البشرى بترقية وزيادة في الراتب، فتخيل شعور الفرح، وأحاسيس السعادة، ودرجة الرضا التي تحل بأولئك عندما كافأهم بشرٌ مثلهم!

فكيف بفرحة عبدٍ ثار من فراشه لصلاة الفجر، وتوضأ في ليلة شاتية، ثم ذهب إلى مسجده تلبية لتكليف ربه الكريم!

وكيف برضا وسرور رجل تصدق بمال استجابة لداعي الله الجواد! وكيف بنشوة وسعادة شابة خرجت من منزلها بكامل حشمتها إلى مجتمع يعجُّ بالمتبرجات، امتثالاً لأمر ربها العظيم!.

إن الإحساس بمشاعر الفرح والطمأنينة عند أداء الطاعة ضرورة لازمة، لما في ذلك من إعطاء الدافعية للاستزادة من الخيرات، والثبات على الحق، قال الله تعالى: { (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)} ، قال السعدي: "وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها"، كما أن في فرح الطائع بطاعته وبقربه من ربه، استخفافاً بفرحة العاصين المباهين بمعاصيهم وجاههم ومالهم، وطمأنينة له أيضاً لعلمه أن ما عنده هو خيرٌ وأبقى مما يجمع ويفتخر به الغافلون، وقد ورد في الأثر: "من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي، فقد صغّر عظيماً، وعظّم صغيراً".

ومما يُلاحظ، أن بعض الناس لا يشعرون بالفرح عند فعل طاعة، إما بسبب التكرار والألفة والغفلة عن ثمرتها في الدنيا والآخرة، وإما بسبب طغيان الخوف من عدم القبول على الرجاء في سعة رحمة الله وعظيم كرمه، كمن يصوم رمضان ويقومه إيمانا واحتساباً، فإذا انتهى رمضان إذا هو قلق غير مستبشر ولا فرحٍ بما منَّ الله عليه من الطاعات! فما فرق حالُ هذا الطائع المنيب في قلقه وغمه عن حال العاصين اللاهين الذين هم في غمٍ وهمٍ لازم؟ وأين هم من حسن الظن بالله، وقوله تعالى {(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)} وقول نبيه صلى الله عليه وسلم « (ذاقَ طعمَ الإيمانِ من رضيَ باللَّهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم نبيا)» ، قال ابن تيمية: "ليس في القلب السليم أحلى ولا أطيب ولا ألذّ ولا أسرَّ ولا أنعم من حلاوة الإيمان".

وقد لا يشعر أحدهم بالفرح عند فعل طاعة لأن في عمله شائبة، قال ابن تيمية: "إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحاً فاتهمه (أي فاتّهم عملك)، فإن الرب تعالى شكور"، وعلّق ابن القيم على كلام شيخه فقال: "يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا، من حلاوة يجدها في قلبه، وقوة انشراح، وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك؛ فعمله مدخول".

وختاما .. فإن المقصود بالفرح عند فعل الطاعة هو الفرح المقرِّب إلى الله، الدافع إلى الاستزادة من الطاعات، المستصحب فيه مِنَّة الله تعالى وفضله، وليس الفرح الذي يخالطه أو يعقبه إعجابٌ بالنفس، أو إدلالٌ على الله بالعمل.

كتبه: منصور بن محمد الـمقرن

 

  • 0
  • 0
  • 34

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً