الخيانة.. لعنةٌ ووصمةُ عار
فالتاريخ لا يرحم الخونة، ومن باع أمّته، بل يسجّل أسماءهم في صفحاته السوداء، شاهدةً عليهم بالخزي والعار في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
في القرن الرابع الهجري، خيَّم على بغداد ليلٌ طويل من الضعف والانقسام، حين سيطرت الدولة البويهية على مقاليد الحكم، وجعلت الخليفة العباسيّ مجرّد ظلٍّ في قصره، لا يملك من أمره شيئًا.
واستمرَّ تسلّطهم قرابة 126 عامًا (334هـ – 447هـ)، ضاعت فيها هيبة الخلافة، وتحوّل سلطانها إلى اسمٍ بلا فعل، وخلافةٍ بلا قرار.
ثم بعث الله للأمّة من يردّ كرامتها، فجاء السلاجقة بقيادة السلطان طغرلبك، فدخل بغداد سنة 447هـ ، وحرّرها من قبضة البويهيين، وأعاد للخلافة العباسية هيبتها المفقودة.
غير أنّ الفتنة لا تموت بسهولة؛ فبعد سنواتٍ قلائل خرج السلطان في حملةٍ عسكريةٍ لردّ الخارجين عليه، فاستغلّ غيابه القائدُ البساسيري — وكان مواليًا للدولة الفاطمية في مصر — فتسلّط على بغداد سنة 450هـ وقد اعانه على إحتلال بغداد كثير من الخونة والعملاء الذين يدينون بالولاء للدولة الفاطمية، فدخلها ورفع فيها راية الفاطميين بدل راية العباسيين، بمعونةِ هولاء الخونةٍ الذين باعوا دينهم ووطنهم.
لكن ما لبث أن عاد السلطان طغرلبك بجيشه، فانهار الحلف، وفرّ البساسيري ومن معه، ثم قُتل شرَّ قتلة، كما قُتل من خانَ معه.
وهكذا سقطت صفحةٌ من صفحات الخيانة، وبقي درسها خالدًا في التاريخ: أنّ الخائنَ لا وطن له، وأنّ نهايته حتميّة مهما طال الزمن.
وتكرّر المشهد ذاته بعد قرونٍ طويلة:
ففي حرب فيتنام (1955–1975)، حين انسحبت أمريكا وهي تجرّ أذيال الهزيمة، تركت خلفها آلاف العملاء الذين تعاونوا معها ضدّ أبناء بلدهم، فعاشوا منبوذين في أوطانٍ غريبة، لا يجدون مأوى ولا كرامة.
وكذلك في العراق سنة 2011م، حين أجبرت المقاومةُ الباسلة أمريكا على الانسحاب، تركت وراءها من تعاون معها من سياسيين وضبّاطٍ وأحزابٍ خائنة، استخدمهم المحتلّ ثم رماهم كما تُرمى الأدوات التالفة، التي لا يرجى منها فائدة.
واليوم يتكرّر المشهد نفسه في غزة؛ فبعد أن فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها، تركت عملاءها الذين تآمروا معها على أبناء شعبهم، كأبي الشباب ومن على شاكلته الذين ساهموا في قتل الأبرياء وتشريد الضعفاء، فما أشبه اليوم بالأمس! وما أصدقَ سنّةَ الله فيمن يخون دينه ووطنه!
قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وعلى مرّ التاريخ فمن الدولة العباسية في بغداد، إلى الأندلس التي سقطت بخيانة بعض قادتها، إلى العراق وفلسطين وأفغانستان وفيتنام — تتكرّر القاعدة نفسها:
الاحتلال يرحل، والخائن يُهان، والحق يبقى، لأنّ الله لا يخذل من صدق.
فالتاريخ لا يرحم الخونة، ومن باع أمّته، بل يسجّل أسماءهم في صفحاته السوداء، شاهدةً عليهم بالخزي والعار في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}.
______________________________
الكاتب: إياد العطية
- التصنيف: