مصر.. حظر التجول على الإسلام !
منذ 2012-03-03
ما إن يُذكر لفظ الإسلام، أو أحد عناصره، أو الألفاظ الدالة عليه حتى يُصاب القوم بحساسية شديدة.
القوم الذين أعنيهم هم الأقليات النخبويَّة والطائفيَّة في مصر التي آلت على نفسها الانسياق وراء عواطفها الحادة الرافضة للإسلام شكلًا ومضمونًا، فلا تقبل له وجودًا في الحياة العامَّة ولا الحياة الخاصَّة.
وخطاب هؤلاء القوم يتطابق غالبًا مع الخطاب الاستعماري الرائج في الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني حول الإسلام، بوصفه خطرًا يجب التصدي له ولمحتواه المقاوم للغزاة، الساعي للاستقلال والحريَّة.
مطابقة خطاب الأقليَّة النخبوي الطائفي للخطاب الاستعماري أمر طبيعي، ويكمن في معيار الرؤية للإسلام ومفاهيمه وتشريعاته، وهو معيار غير عادل وغير منصف بكل تأكيد، مع الأخذ في الحسبان النظرة الأوروبيَّة التاريخيَّة للكنيسة بوصفها عائقًا يحول دون الحرية، ويحارب العلم، ويفرض الجهامة على الحياة.
ولعلَّ هذا هو السر من وراء ذلك الجدل الصاخب حول عملية الانقلاب على الاستفتاء الذي جرى في 19 من مارس الماضي، ومحاولة الالتفاف عليه، وتأخير عملية انتقال السلطة من القوات المسلَّحة إلى الشعب.
الحملة الضارية التي تشنها معظم الصحف والقنوات الفضائيَّة العامَّة والخاصَّة، ضد الحركة الإسلامية في مصر ، والتشكيك في صلاحية الإسلام بوصفه منهج حياة، والسخرية ممن يتمسكون بالإسلام هوية واستقلالا، واصطياد بعض الوقائع الفردية أو المكذوبة أو التي لم ثبت صحتها للتشهير بالإسلاميين، مواقف ليست بريئة من محاولة حرمان مصر من الديمقراطيَّة والحرية والأمل.
أزهري درعمي قال في محاضرة عامة: إن السياسي الذي يبدأ خطابه بالبسملة "نصَّاب"! أي أن كل الإسلاميين نصّابون بحكم أنهم يبدءون كلامهم عادة بالبسملة والصلاة والتسليم على رسول الله وآله وأصحابه!
مستنير حكومي قال في لقاء عام: "إن المادة الثانية من الدستور المصري، والتي تنص على الاعتماد على الشريعة الإسلاميَّة كأحد مصادر التشريع، ما هي إلا مجرد شعار الناس بتاكل بيه عيش!"، ولا أدري أي عيش يأكله الحريصون على المادة الثانية أهو العيش الجاف في المعتقلات، أو العيش المدعوم أبو شلن، أو العيش الإفرنجي الذي يأكله الضيوف الرسميون الكبار في مكتبة الإسكندرية أو حفلات رجال القروض مثلًا؟
مناضل ثوري حكومي من العهد البائد وصف بعض الإسلاميين بأنهم يقولون ما لا يفعلون، وأضاف ساخرًا: إنهم يحلفون، ثم يكفرون عن الحنث بالقسم بصيام ثلاثة أيام!
أحد الوجوه اليسارية المقررة علينا منذ زمان بعيد في تلفزيون النظام، تمطَّع، وأخبرنا أن السلفيين يحرّمون جلوس المرأة على الكنبة!
ثم أخبرنا آخر أن حلاقًا صاحب صالون بإمبابة (دائمًا إمبابة؟!) يشترط على الزبائن عدم قص اللحية ويكتفي بحفّ الشارب, وفي شارع فيصل يكتب سائق ميكروباص أن الركوب ممنوع للمحزقة والعيال.. مسموح فقط للرجال(؟!).
ويضيف: لكن الدعوة التي أسكتت قول كل خطيب بما فيها صرخات المطالب الفئوية, وتبشر بتحول أغراض مليونيَّات الثورة تحولا جذريًّا هي دعوة إطلاق مليون لحية أولًا ومن جهتي- يقول صاحبنا- أنا من أنصار هذه المليونية التي هي مقدمة لمليونيات أخرى نحتاجها هذه الأيام، مثل مليون زبيبة أولًا ومليون سبحة أولًا ومليون تكشيرة, وإطلاقهم في الشوارع بمناسبة شهر رمضان الكريم!!
ويأبى القوم إلا أن يردوا على مَن انتقد دخولهم الحظيرة الثقافيَّة مساندة للاستبداد والحكم الفاشي، فوصفوا الموافقة على وثيقة شيخ الأزهر بأنها دخول الحظيرة الدينيَّة، مع أن الأخيرة ليس فيها مغانم أو منافع مثل الحظيرة الثقافيَّة، بل إنها تكلِّف أصحابها غاليًا وراء الأسوار!
ولم يتوقف الأمر عند وصف الأزهر بالحظيرة الدينيَّة، ولكنه امتدَّ ليرى في "وثيقة الأزهر"؛ مشروع وثاق لا وثيقة من شأنه تكبيل مشروع الدولة الحديثة في مصر، وإخضاعه لرؤى ملتبسة يمكن أن تحوله من حيث لا يدري المثقفون الموقعون على الوثيقة إلى مشروع دولة دينيَّة سلفيَّة تتمتع بكل ما يريده أنصار الدولة الدينية من مواصفات!
ولم يكتفِ أصحابنا بهذه الرؤية بل إنهم وسعوها ليروها انحرافًا عن دور الأزهر المعرفي والديني إلى دور سياسي دستوري، وإرهاصة دولة دينيَّة تنهي تمامًا استقلاليَّة الدولة عن المؤسسة الدينيَّة.
ثم تعلن هذه الرؤية أنها تبقى عاجزة عن تصور أن المدرسة الليبرالية المصرية (؟!) قد وافقت علي أن يكون الأزهر هو "المنارة الهادية التي يُستضاء بها، ويُحتكَم إليها في تحديد علاقة الدولة بالدين وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة التي ينبغي انتهاجها"؟!! وتطرح تساؤلًا: ما الفرق بين هذا الذي تم الاتفاق عليه وبين مشروع السلفية الإخوانيَّة الذي كان قد عبَّر عنه المرشد السابق لجماعة الإخوان؟ وكيف يمكن فهم البند الأخير في الوثيقة الذي ينص على "اعتبار الأزهر الشريف الجهة المختصة التي يُرجَع إليها في شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهادات الفكر الإسلامي، مع عدم مصادرة حق الجميع في إبداء الرأي متى توفَّرت له الشروط العلمية اللازمة، وبشرط الالتزام بآداب الحوار، واحترام ما توافق عليه علماء الأمة؟
ويعاود القوم الحديث الممل المكذوب عما يسمى التكفير، فيزعمون أن أحد أئمة مساجد المنصورة دعا على العلمانيين والمثقفين الكفرة الذين يريدون نزع الدين من الدولة!
كما يزعمون أن أحد أئمة مساجد السيدة عائشة خصص خطبته لتكفير كمبورة إحدى الشخصيات التي يرسمها رسام كاريكاتير معروف!
ثم يدّعون أن "التكفير" أو "الخروج عن الملة"، أصبح شيئًا من العادي أن تسمعه ممن يتحدث إلى المصلين، وهو كلام فيه خلط بين مضمون الخطاب وميول وثقافة من يوجهه، ويضيفون: هكذا بات استخدام الدين ودوره مباحًا متاحًا دون ضابط ولا رابط ولا محاسب.
إذا ما تركنا الأمر هكذا دون تقنين سوف نشهد استخدامًا مخلًا في الانتخابات القادمة سواء البرلمانيَّة أو الرئاسيَّة، فهل نقنن القواعد الحاكمة من الآن أم نترك الأمر كما حدث في الاستفتاء يهدِّد شرعيَّة أي إجراء سياسي قادم؟!
واضح إذًا أن دعوة القوم إلى تقنين الحديث عن الإسلام تعني فرض حظر تجول على الدين الذي يمثل عقيدة الشعب وحضارته؛ عقيدة الأغلبية، وحضارة الأقلية وثقافتها، وهي دعوة إرهابيَّة فاشيَّة، تمثل تطرفًا غير مقبول من الأقلية النخبويَّة الطائفية ضد الأغلبية الساحقة من الشعب بمسلميه وغيرهم، وتنبئ عن رفض القوم- وهم أقلية محدودة- لفكرة الديمقراطيَّة وعمليَّة تبادل السلطة من خلال إرادة شعبية حقيقية تأتي عبر صندوق الانتخابات بمَن تريد، وتمنع عبره أيضًا من تشاء.
وأظنُّ -والله أعلم- أن فكرة تجريد مصر من إسلامها، والإصرار على ما يسمى الدولة المدنيَّة (ليست ضد البوليسية أو العسكرية بل ضد الإسلام) والإلحاح على فصل الدين عن الدولة، ليست فكرة محليَّة بقدر ما هي رغبة أجنبيَّة استعمارية محمومة تسعى لالتهام مصر، وتقييدها بوثاق من التبعيَّة والإذلال، عبرت عنه عمليات الإنفاق الهائلة على ما يسمى منظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث، وتدريب الناشطين السياسيين في الغرب وأمريكا، وعقد المؤتمرات في الفنادق الفخمة للقوم وصياغة مشروعات دساتير وفق الهوى والمطالبة بتأجيل الانتخابات، والدستور أولًا، وتشكيل مجلس للحكم.
ولا أظنُّ أن الشعب المصري مع كل ما يوجه إليه من قصف عنيف عبر الصحف والفضائيات المعادية للإسلام، والمتخوفة منه، سيستجيب للقوم وإلحاحهم غير الغريب، فالدين طبيعة راسخة في أفئدة المصريين وقلوبهم؛ مسلمين وغير مسلمين.
وأذكِّر القوم بأن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان رفع في حملته الانتخابيَّة للرئاسة (عام 1980) شعار: "الإنجيل هو الحل"، ولم يتهمْه أحد بالتعصب أو الطائفيَّة، والأحزاب السياسيَّة في الكيان النازي اليهودي في فلسطين المحتلة رفع التوراة في وجه كل من يخالف المنهج الاستعماري اليهودي، ومعلوم للناس جميعًا أن الأحزاب الدينية في فلسطين المحتلة باتت تشكل السياسة النازيَّة اليهوديَّة هناك، ولم يتهمهم أحد بالتكفير أو النصب والاحتيال أو الحظيرة الدينيَّة.
لماذا يا قوم تريدون فرض حظر التجوُّل على الإسلام؟!!
- التصنيف:
- المصدر: