العصمةُ في الخلوات… حين ينهضُ المؤمنُ برايةِ المعوّذتين

منذ ساعتين

إذا أحاطت بك ظلماتُ الخلوة، ولوّح لك الشيطانُ براية الخطيئة؛ فارفع في وجهه رايةَ المعوّذتين؛ عندها يرتدّ على عقبيه خاسئًا وهو حسير.

أرزاقُ اللهِ على عباده موفورةٌ لا يحصيها العدُّ، ولا يحيط بها الفكر؛ غير أنّ رزقًا منها أعلى اللهُ قدرَه، ورفع ذكرَه، ووصفه بأحسن الوصف، فقال جلّ شأنه: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}.

فذلك هو أحسن الرزق؛ لأنه قوتُ الأرواح، ونعيمُ القلوب، الذي به قِوامُ حياةِ الدنيا وسعادةُ الآخرة، وهو الذي يُعطي القلبَ الحياة، والروحَ الضياء، والنفسَ قوّةً على الطريق.

وما أحوجَ القلبَ إلى أن يحوط هذا الرزق بسياجٍ من العناية، ويحرسه من غوائل الشهوات والشبهات؛ فالسعادةُ كلُّ السعادة متعلّقةٌ بسلامة الإيمان وصلاح العمل.

وإنَّ أخطرَ ما يفتك بهما، ويُذيب صلابتهما في خفاء، ذنوبُ الخلوات؛ التي عمّت طُرُقُها، وتيسّرت أسبابُها، وتجرّأ عليها من لم يكن يجرؤ بالأمس القريب.
فهي الداءُ الخفيّ الذي يأكل الإيمانَ أكلًا لَمًّا، ويترك الروحَ خاويةً من نورها.

وليس للعبدِ من ملجأٍ يعتصم به من غوائلها إلا أن يلوذ بربه، ويهتدي بنوره، ويسأله العصمةَ والسداد. وقد سُئل أحد العلماء ـ وكان من أهل البصيرة ـ عن دواءٍ ناجعٍ لذنوب الخلوات، فقال كلمةً كأنما خرجت من قلبٍ مسّه نور القرآن: «عليك بتكرار قراءة المعوّذتين بتدبّر: الفلقِ والناس».

وهذا قولٌ صدّقه الدليل، وشهِد به القلب؛ فقد قال نبينا ﷺ لعقبةَ بن عامر، وهو يُرشده إلى مفتاح العصمة: «تَعَوَّذْ بِهِمَا ـ أي: بسورتي الفلق والناس ـ فما تعوَّذ مُتعوِّذٌ بمثلِهما»؛
أي: لن تجد في أبواب التعوّذ أبلغَ ولا أَنْجى من هاتين السورتين، ولا في أبواب الحماية مثلَ هذين البابين، ولا في مسالك النجاة مثلَ هذا المسلك.

فهاتان السورتان سيفان من نور، يقطعان طريقَ الشيطان إلى النفس، ويدفعان عنه كيدَه حين يقوى، ويكبحان جماحَ وسوسته؛ التي تنفذ من خلالها الخطيئةُ إلى القلب.

فالشيطان لا يكون أجرأَ منه في الخلوات، ولا أضعفَ منه عند ذكر الله؛ فإذا خَلا العبدُ، خَلا الشيطانُ به؛ فإن وجد قلبًا ضعيفَ العزيمة، هشًّا أمام الإغراء؛ أوقعه في شَرَكِه، وأصاب منه ما يريد.

ومن فضل الله على عبده أن يفتح له باب القرآن عند الفتنة، وأن يرشده إلى الآيات التي تسند القلبَ عند الاضطراب، وتثبّته عند السقوط، وتضيء له فجواتِ الخلوة حين يتسلل الشيطان من الظلمة.

فإذا رفع العبدُ رايةَ القرآن، واستعان بالمعوّذتين أمام ذنوب الخلوات ووسوسة الشيطان، مفتقرًا إلى ربّه، ومستغيثًا به؛ نزلت عليه العصمةُ والمعونةُ من السماء، وأقبل عليه التوفيقُ من حيث لا يشعر، وشدّ الله أزرَه، ووقاه شرَّ نفسه والشيطان، وهداه إلى سواء السبيل.

والخلاصة:
إذا أحاطت بك ظلماتُ الخلوة، ولوّح لك الشيطانُ براية الخطيئة؛ فارفع في وجهه رايةَ المعوّذتين؛ عندها يرتدّ على عقبيه خاسئًا وهو حسير.

_____________________________________
الكاتب: طلال الحسّان.

  • 0
  • 0
  • 19

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً