رواء المدينة المنورة...(2)

منذ 5 ساعات

استيقاظ الجنان تحت طائلة عظمة المكان (الحلقة الثانية).................................................


ما إن وطئت القدمان أرض المدينة المنورة وعلى أرض مدرج مطارها يحس المرء بشرف المكان وبركة الزمان، فها  نحن بعد طول مأمول، وشوق بين ثنايا الفؤاد محمول، وحامل لرصيد ما جاء في صحيح المنقول، قد حللنا بها ملبين راغبين في النوال من بحر بركتها، وهي دار الهجرة، وموطن التشريع والتأسيس لدولة الإسلام، ومثوى جسد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، حيث يأرز الإيمان كما تأرز الحية إلى جحرها وهي خير لهم لو كانوا يعلمون كما قال صلى الله عليه وسلم...وهذا سر انجذاب القلب إلى أصل فطرته الإيمانية وكأنه للتو نطق بالشهادتين معلنا دخوله أو تجديد إسلامه بعد ردة طارئة قد تخللت عرى انتسابه لهذا الدين العظيم، إنه اليوم وقد تسنى للعبد الضعيف الخطاء باصطفاء من الحنان المنان أن يمشي حيث مشى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يصلي حيث صلى، وأن يلقي السلام على حبيبه من مسافة الصفر ليس بينه وبين الرحمة المهداة ترجمان، وإنه استحضار مكاني يولد في القلب استيقاظا ويقظة، فإن القلوب لتتأثر بشرف الأمكنة كما تتأثر بشرف الأشخاص، وإنه لمكان شهد من مسكوب الدمع والذكر والدعاء واليقين والجهاد بأنواعه وأضرابه وشتى أصنافه ما لم ولا ولن يسكب في غيره من مناكب الأرض اللهم حرم البك المبارك في ذلك الواد غير ذي الزرع...
في مدينة رسول الله يتخلص المسلم الزائر من شائبة الضجيج المعنوي والمادي للدنيا بحذافيرها، فتقل في النفس ويكاد ينعدم ميلها لمظاهر اللهو فتفزع إلى محراب الطاعة لا تسقط منها صلاة إلا في محراب روضة المسجد النبوي، وليس هذا منها كما عرفت ووقفت عليه ذوقا بمعية صحبتي الطيبة ومن رافقاني في رحلتي وزيارتي المباركة أثر سلوكي بل هو نفحة إيمانية قلبية غير معهودة، وخروج من سياق الإلف والمعهود، وكسر لصفوان العادة حيث نكون ونحن في بلادنا ومسقط رأسنا أسرى الروتين، ووموالي لنمطية المشاغل، نرسف في أغلال العرض الدنيوي، فنغلبه مرة ويصرعنا مرات.
وليس في مدينة سيد الخلق أثر لهذه المغلوبية، حيث الأرز إلى المسجد النبوي أرز إيماني شبيه بأرز الحية إلى جحرها حيث الأمان والاطمئنان والحرز من كل تهديد، فهذه مدينة رسول الله في أول يوم الحلول المبارك أوقظت ما كان نائما في القلب، وهي من بعد لم تنشئ إيمانا جديدا بل حررت رصيده ومخزونه الراكد الرابض الموجود في قعر قعر القلب وصاحبه...يتبع

محمد بوقنطار

محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.

  • 0
  • 0
  • 37

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً