الغَايةُ الغَائِبَة

منذ 3 ساعات

نستغربُ كُلُنا إذا رأينا طالباً مهملاً، لا يهتم بالغاية من تعليمه، رغم ارتباطها بمستقبله .. ونستغرب أيضاً من الموظف المتهاون، المنصرف عن الغاية من توظيفه، رغم ارتباطها برزقه .. لكن، كم مِنّا مَن يستغرب إذا رأى مُسلِماً غافلاً عن الغاية من خلقه، رغم ارتباطها بسعادته في الدنيا والآخرة؟، وقد قال تعالى: {﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾} ، قال ابن القيم: "أخبر سبحانه أنه لم يخلق الجنَّ والإنس لحاجةٍ منه إليهم، ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جُودًا وإحسانًا ليعبدوه، فيربحوا هُم عليه كلّ الأرباح ". وقيل في الآية: "هنالك غاية معينة لوجود الجنِّ والإنس،  تتمثل في وظيفة، مَن قام بها وأدّاها فقد حقق غاية وجوده؛ ومن قصّر فيها أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده؛ وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد. هذه الوظيفة هي العبودية لله، أن يكون هناك عبدٌ وربٌ، عبدٌ يَعبُد، وربٌ يُعبَد ... وأن تستقيم حياة العبد كلها على أساس هذا الاعتبار ... وتتوجه حياته إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة".

 

نستغربُ كُلُنا إذا رأينا طالباً مهملاً، لا يهتم بالغاية من تعليمه، رغم ارتباطها بمستقبله .. ونستغرب أيضاً من الموظف المتهاون، المنصرف عن الغاية من توظيفه، رغم ارتباطها برزقه .. لكن، كم مِنّا مَن يستغرب إذا رأى مُسلِماً غافلاً عن الغاية من خلقه، رغم ارتباطها بسعادته في الدنيا والآخرة؟، وقد قال تعالى: {﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾} ، قال ابن القيم: "أخبر سبحانه أنه لم يخلق الجنَّ والإنس لحاجةٍ منه إليهم، ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جُودًا وإحسانًا ليعبدوه، فيربحوا هُم عليه كلّ الأرباح ". وقيل في الآية: "هنالك غاية معينة لوجود الجنِّ والإنس،  تتمثل في وظيفة، مَن قام بها وأدّاها فقد حقق غاية وجوده؛ ومن قصّر فيها أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده؛ وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد. هذه الوظيفة هي العبودية لله، أن يكون هناك عبدٌ وربٌ، عبدٌ يَعبُد، وربٌ يُعبَد ... وأن تستقيم حياة العبد كلها على أساس هذا الاعتبار ... وتتوجه حياته إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة".

ومن صُور غفلة الإنسان عن الغاية من خلقه: تفريطه في العبادات، وارتكابه للمنهيات، وترك التحاكم في حياته ومعاملاته إلى شريعة مولاه، وكأنه قد خُلق عبثاً، ولا مردّ له إلى ربه سبحانه، وقد قال تعالى: {﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾} ، قال الشوكاني: {"أفَحَسِبْتُمْ أنَّا خَلْقَناكم لِلْإهْمالِ كَما خُلِقَتِ البَهائِمُ ولا ثَوابَ ولا عِقابَ، وأنَّكم إلَيْنا لا تَرْجِعُونَ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ فَنُجازِيكم بِأعْمالِكم"} .

وقال تعالى: {﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾} ، قال ابن عاشور: "إنَّ الَّذِي خَلَقَ الإنْسانَ في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ وأبْدَعَ تَرْكِيبَهُ ووَهَبَهُ القُوى العَقْلِيَّةَ الَّتِي لَمْ يُعْطِها غَيْرَهُ ... لا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ أنْ يُهْمِلَهُ مِثْلَ الحَيَوانِ فَيَجْعَلَ الصّالِحِينَ كالمُفْسِدِينَ، والطّائِعِينَ لِرَبِّهِمْ كالمُجْرِمِينَ، وهو العَلِيمُ القَدِيرُ المُتَمَكِّنُ بِحِكْمَتِهِ وقُدْرَتِهِ أنْ يَجْعَلَ إلَيْهِ المَصِيرَ، فَلَوْ أهْمَلَهُ لَفازَ أهْلُ الفَسادِ في عالَمِ الكَسادِ، ولَمْ يُلاقِ الصّالِحُونَ مِن صَلاحِهِمْ إلّا الأنْكادَ، ولا يُناسِبُ حِكْمَةَ الحَكِيمِ إهْمالُ النّاسِ يَهِيمُونَ في كُلِّ وادٍ".

عندما تغيب عن الإنسان الغاية من خلقه، أو يجعلها في مرتبة متأخرة من أولوياته، وتصبح الدنيا أوّل اهتماماته، ومحور غاياته؛ يشقى عقلُه، وتكثر همومُه، ويتشتت أمرُه، كما ورد في الحديث: (من كانت الدُّنيا همَّه، فرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينَيْه، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له) صححه الألباني، ولا يعني هذا أن يُهمل الإنسان أمر دنياه ومصالحه فيها، فقد قال الله تعالى: {(وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)} ، قال ابن القيم: "العارِف لا يَأْمر النّاس بترك الدُّنْيا فَإنَّهُم لا يقدرُونَ على تَركها، ولَكِن يَأْمُرهُم بترك الذُّنُوب مَعَ إقامتهم على دنياهم. فَترك الدُّنْيا فَضِيلَة وترك الذُّنُوب فَرِيضَة، فَكيف يُؤمر بالفضيلة من لم يُقِم الفَرِيضَة ... وقال بعض السلف: "ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج. إن بدأت بنصيبك من الدنيا أضعت نصيبك من الآخرة، وكنت من نصيب الدنيا على خطر، وإن بدأت بنصيبك من الآخرة فزت بنصيبك من الدنيا". 

ختاماً .. فالمسلم يعيش في الدنيا والغاية من خلقه نُصبَ عينيه، والآخرة ونعيمها في قلبه، وجوارحه تعمل للفوز بها، فلا يُلهيه التكاثر عن الموت والمقابر، قال سبحانه: {﴿أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ ۝١ حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ﴾} ، قال ابن كثير: "يَقُولُ تَعَالَى: شَغَلَكُمْ حُبُّ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا وَزَهْرَتُهَا عَنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ وَابْتِغَائِهَا، وَتَمَادَى بِكُمْ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَكُمُ الْمَوْتُ وَزُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، وَصِرْتُمْ مِنْ أَهْلِهَا؟!".

كتبه/ منصور بن محمد الـمقرن

  • 0
  • 0
  • 34

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً