أبي ميسور وبخله يسبَّب لنا حرجًا!

منذ 2014-01-08
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا فتاة من أسرة كبيرة العدد، ميسورة الحال، أبي ميسور الحال جدًّا، كبرنا على قول: ''حاضر يا أبتِ''، لا نخالف له أمرًا.

نحن نسكن بعيدًا عن مسقط رأسنا، ومنذ سنين طويلة ونحن نذهب إلى بيتِ جَدِّي لأمي، ولا نُنفِق شيئًا قط هنالك، المهم أننا قد أقمنا في بيت جَدِّي لأمي حفلةَ خِطْبَة إحدى أخواتي وزواجِها، والمشكلة في أن أهل أمي لا يريدون هذه الحفلات في بيتهم - وهذا حقهم - إلا أننا أقمناه رغمَ رفضهم؛ وهنا بدأت المشكلة، فلم يَعُدْ أبي يحترم أمي ولا أخوالي، لا يُعِيرهم اهتمامًا، ولا يسأل عنهم!

ورغم ذلك كله يأخذنا غصبًا عنا إلى بيت جَدِّي لأمي، ويرمينا عندهم؛ فنسمع بذلك كلَّ أنواع الإهانات؛ مثل: "أبوكم قادر ولا ينفق"!

نحن نسكن في بيتٍ صغير، وهو يوفِّر لنفسه كلَّ أنواع البَذَخ؛ من أكلٍ وشربٍ وسيارات، وغيرها، كما أنه عصبي جدًّا وعبوس دائمًا؛ ولا يحب أن يُنَاقِش أحدًا، ويظن نفسه دومًا صاحب الحق، وهو بخيل علينا، كريم على بطنه، وأمي لا صوت لها!

سؤالي:

1- بدأت أكرهه، ولا أنظر إليه، رغمًا عني، مع أني أنفِّذ أوامره، لكن دون أدنى كلام بيننا، وقد بدأ يلاحظ ذلك، لا أحد يجالسه، أو يكلمه؛ خوفًا من الوقوع معه في جدال لا جدوى منه، هل نحن على صواب؟

2- الأمر بدأ يحتدم في غيابه، فنحن نغتابه بكثرة؛ لكثرة أغلاطه، فما الحل؟

3- بدأتُ أكره زيارةَ جدِّي؛ خجلًا مِن تصرُّفاته، وكرهًا لما أسمعه منهم، فهل هذا قطع للأرحام؟
 

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلِه وصحبِه ومَن والاه، أما بعد:
فمما لا شكَّ فيه أن والدكِ مخطئٌ فيما تذكرينه عنه من تقتيرِه عليكم، وجانبَه الصوابُ في تعامُله معكم؛ خاصةً وأنه ميسورُ الحال، ولكن مهما تكن عيوبُه، فهذا لا يمنعه من حقِّ المعاملة الحسنة منكم، والدعاء له، وبرِّه، والإحسان إليه، وتركِ غِيبَتِه؛ لأن هناك حقَّينِ متوازيينِ غير متقاطعين؛ بر الأبناء والإحسان إليهم، وبر الوالدين؛ فإن فرَّط هو في الأولى وعقَّكم، فليس هذا بمُوجِبٍ أن تعقُّوه وتفرِّطوا في حقِّه مهما أساء.

فعليكم بنصحِه بأدبٍ ولين، وبيان ما يختلج في صدوركم تُجَاهَه من نُفْرَة منه، وحدِّثوه عن الحَرَج الذي يَضَعُكم فيه مع عائلةِ أمِّكم، وحثُّوه على معاملتهم بودٍّ وإحسان؛ مراعاةً لأمكم ولكم، وأَكثِروا من الدعاء له؛ فللدعاءِ أثرٌ كبيرٌ في الهداية وصلاح الحال، وتحلَّوا بالصبر الجميل، واحذروا معاملته بقسوة، أو رفع الصوت؛ فهي -مع حرمتها- غير مؤثِّرة، بل تأتي بنتائجَ عكسيةٍ، والله تعالى يحبُّ الرِّفق في الأمر كله؛ كما أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -حيث قال: "مَن يُحرَم الرِّفق، يُحرَم الخيرَ"، وقال: "إن الله رفيقٌ يحبُّ الرفق، ويُعطِي على الرفقِ ما لا يُعطِي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه"(رواهما مسلم).

فإن لم تَقْوَوا على هذا، فبالكتابةِ؛ لتُوقِفُوه مع نفسه، وتردُّوه لفطرته الأبوية؛ فذلك أدعى للتغيير للأفضل، كما يمكنكم إدخالُ طرفٍ خارجي تَثِقُون في قدراته، ويكون من الذين يستمعُ الوالد لهم ، ويرتاح لمناقشتهم، واتركوا له اختيار الأسلوب المناسب للحوار، فيطرح معه القضية بشكل مباشرٍ، أو غير مباشر؛ كبيانِ أضرار القسوة والحرمان على الشباب، ونحو ذلك.

هذا، ولا بد أن تعلمي أن عاطفة الأبوَّة مهما علاها من الرانِ، وبدَّلتْها الأيام، إلا أنها تظلُّ موجودةً، مهما كانتْ قسوة الأبِ، وتحتاج لمن يجلي عنها الصدأ، ويردُّها لفطرتها، ولعلَّ والدَكم رُبِّي في بيئة شديدة، أو ظروف صعبة، وهذه أمورٌ يمكن التغلُّب عليها بنوعٍ من التدرُّج، وإظهار مشاعرِكم - أنتم كأبناء - تُجَاهه، ومجاهدة النفس على استبدال الحب بالكراهية، واجعليه يشعر منكِ بالحب والرِّفق به، مع مصارحته.

كذلك حاولوا الإصغاء إليه، واسمعوا منه أسباب معاملته؛ لتُشعِروه بالأبوَّة.

أما كرهُكِ لزيارة جدِّك، فليست قطيعة للرحم، ما دمتِ تذهبين إليهم، والرحم لا يجوز قطعها تحت أي ظروف، ومهما كان الأمرُ محرِجًا؛ فالنصوص الواردة في وجوب صلة الرحم وفضله، وأنه يزيد في العمر والرزق، وكذلك قبح وعقوبة قطيعة الرحم أشهر من أن تُذكَر، وأعرفُ من أن تُنقَل، ويكفي ما روي عن أبي هريرة، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "خلق الله -عز وجل- الخلق، فلما فرغ منه، قامتِ الرحم، فقال: مه! قالتْ: هذا مقام العائذِ بكَ من القطيعة، قال: أَلَا تَرْضَين أن أَصِل مَن وَصَلكِ، وأَقْطَع مَن قَطَعكِ؟ قالتْ: بلى يا رب، قال: فذلك لكِ"، ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد: 22]، وروى أبو أيُّوب الأنصاري أن أعرابيًّا عرض للنبي -صلى الله عليه وسلم- في مسيره، فقال: أخبرني ما يقرِّبني من الجنة، ويباعدني من النار؟ قال:" َتعبُد الله ولا تُشرِك به شيئًا، وتُقِيم الصلاة، وتُؤتِي الزكاة، وتَصِل الرَّحِم"(متفق عليهما). وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرَّحِم شِجْنَة من الله، مَن وَصَلها وَصَله الله، ومَن قطعها قطعه الله"(رواه البخاري).

وراجعي على موقعنا استشارة: "أبي معه المال ويبخل علينا، فما العمل؟!".

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 2,722

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً