كيف أقنع خطيبي باستمراري في العمل؟!
أنا مخطوبة منذ سنتين، وأحبُّ خطيبي جدًّا، وهو يحبني والحمد لله، وهناك توافُق اجتماعيٌّ وعلمي بيننا، واتَّفقنا على الزواج بعد إنهاء دراستِنا.
والحمد لله فرضتُ عليه عدمَ محادثتي في موضوع الزواج حتى يتقدَّم لخطبتي مِن أهلي، وبالفعل تقدَّم لخطبتي، ولكن المشكلة أنه اشترط على أهلي ألَّا أعمل بعد زواجي، وفاجأنِي بشرطِه هذا؛ لأنه حاول أن يأخذ رأيي في موضوعِ تركي للعمل، ولم أوافقْ، وهو واثق بأني لن أوافقَ، وأهلي مُصِرُّون على عملي؛ فالعملُ في نظرِ أهلي أهمُّ مِنَ الزواج! وهو مُصِرٌّ على رأيهِ، ويرى أن الحلَّ عندي أنا، فأنا المرأة وهو الرجل، ويجب أن أتنازلَ لأجلِ حبِّنا.
تعبتُ كثيرًا مِن التفكير لدرجة أني مرضتُ، وكلما أصرَّ على أن أترك العمل، أبدأ في الانهيارِ والبُكاء، حاوَل معي عدَّة مرات، ولا يزال يحاول؛ فهو لا يُريد أن تحدثَ مشاكل بيننا بعد الزواج بسبب العمل؟ تعبتُ كثيرًا؛ ساعدوني، هل الزواج أهمُّ مِنَ العمل؟
وهل صحيحٌ أنه يجبُ على المرأةِ أن تتنازل لأجل الرجل لأنها تحبُّه؟!
أخاف أن أصرَّ على عملي فيتركني، وأخافُ أن أوافقَ على طلبه، فأندمَ لتنازُلي، هو مصرٌّ جدًّا على عدم العمل، وقال لي: قرري أنتِ ماذا تريدين: العمل أو الزواج؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فأحبُّ في البداية -أيتها الابنةُ الكريمة- أن تضعي أنتِ وخطيبُكِ أصلًا ترجعانِ إليه عند التنازع، وفيما تختلفان فيه؛ فالحياةُ لا تَسِير على طريقةٍ واحدةٍ، وحيث إننا مسلمون فيكون مَرَدُّنا في ذلك للشريعةِ الإسلامية، وكما تعلمين فالإسلامُ منهجٌ متكاملٌ في الاعتقاد والتصور، والتربية والتوجيه، والواجبات والتكليف؛ منهج الله الذي خلق الخلقَ وأتقنه وأحسنه؛ فهو يعلم ما يصلحه؛ قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]؛ فهو الذي لطف علمه وخبرته حتى أدرك السرائر، والضمائر، والخبايا، والخفايا، والغيوب، وهو يعلم السرَّ وأخفى، يلطف بعبده، فيسوق إليه البرَّ والإحسان مِن حيثُ لا يشعر، ويعصمه مِنَ الشرِّ مِن حيثُ لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب، وأنا وأنتِ وجميعُ الخلْقِ لن نجدَ الرشد، ولن نجد الهدى، ولن نجد الراحة ولا السعادة، إلا إذا رَدَدْنا فطرتَنا لصانعِها، كما يردُّ الجهاز إلى صانعه، والمنهجُ الإسلامي يتعاملُ مع الطبيعة البشريةِ بكلِّ مشاعرها ومساربها واحتمالاتها، والله -الذي رَضِي للمسلمين هذا المنهج- هو بارئ هذه الطبيعة، الخبير بمسالكها ودروبها، العليم بما يُصلِحها وما يَصلُح لها.
إذا كان الأمرُ كذلك -أيتها الأختُ الكريمةُ- فالشرعُ جعلَ للمرأة الحقَّ في التعليم وَفْقَ ضوابط معروفة، كما أجاز لها العمل وَفْقًا للضوابط إن احتاجتِ المرأة للعمل، فإن لم تكنْ محتاجة؛ فبيتُها وزوجها وأبناؤها المنتظَرون في المستقبل أَوْلَى بها، فالأصلُ بالنسبة للمرأة هو قرارُها في بيتها، والدَّور الأساس لها في الحياةِ هو تربيةُ أبنائها ورعايتهم، وإعداد الأجيال للأمة.
أما إذا كانت المرأة في حاجة ماسَّة للعمل، جاز لها ذلك، بشرط أن تكونَ ملتزمةً بالضوابط الشرعية؛ وهي:
1- أن يكونَ هذا العملُ مما يتناسبُ مع طبيعة المرأة، ويوافقُ أنوثتها؛ كتعليم وتطبيب النساء، والإدارة لبنات جنسِها، وما شابه، أما امتهانها وظائف لا تناسب طبيعتها، وتؤدِّي بها إلى مفاسد عظيمة؛ فلا يجوز.
2- أن يكون العمل في أصله مُباحًا.
3- موافقةُ زوجِها على خروجها لهذا العمل؛ لأن طاعتَه واجبةٌ عليها؛ قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والرجلُ راعٍ في بيته، ومسؤول عنْ رعيتِه" (صحيح البخاري).
4- ألَّا يؤدِّيَ الخروج للعمل إلى الإخلالِ بمهمَّتها الأصلية؛ مِن تربية الأبناء، ورعايتهم، والعناية بهم، والقيام بحُقوق الزوج على أكمل وجْهٍ.
5- التزام الآداب الإسلامية؛ من غضِّ البصَر، والحجاب الشرعي، وعدم الاختلاط، وغيرها؛ قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31]، وقال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، وقال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
ولا شكَّ أن طاعتَكِ لوالديكِ الآن مُقَدَّمة على طاعة خطيبك؛ بل ليس عليكِ الطاعةُ لخطيبك أصلًا؛ فهو ما زال رجلًا أجنبيًّا عنكِ حتى يَعقِد عليكِ العقد الشرعي، فحينئذٍ يكون قولُه عليكِ هو المقدَّم؛ وذلك لحكمٍ جليلة يجدها كلُّ مَن طلَبَها وتأمَّلَها.
أما ما يخصُّ عملَكِ الحالي، فالذي نراه أن الأمر يتعلَّق بحالِ العمل، فإن كان عملُكِ لا يترتَّب عليه محذورٌ شرعي مِن خلوةٍ، أو غيره مِن المحذورات، فلا مانع أن تبقي فيه، وتُطِيعي والديكِ في ذلك؛ ولأن مجرد وجود الرجال في مكانِ العمل بدون خلوة، ولا ملامسة، ولا انبساط بين الرجال والنساء ليس ممنوعًا؛ قال الإمام النووي- رحمه الله تعالى- في"المجموع":
"وقد ثبتت الأحاديث الصحيحةُ المستفيضة أن النساءَ كُنّ يصلين خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجدِه خلف الرجال، ولأن اختلاطَ النساء بالرجال إذا لم يكنْ خلوة ليس بحرامٍ"؛ انتهى.
أما إن كان العملُ فيه اختلاط محرَّم؛ كخلوة أو غير ذلك، فلا يجوز لكِ البقاء في هذا العمل، وإن أصرَّ والداكِ؛ لأنه لا طاعةَ لمخلوق في معصيةِ الخالق.
وأخيرًا، أخبري خطيبك أنكِ متى صِرْتِ زوجةً له، فإن حقَّه -حينئذٍ- في الطاعة مقدَّم على أبويك، فإن أمركِ حينها بتركِ العمل، فستتركينه، ولستِ -حينئذٍ- عاصيةً لوالديكِ بطاعتكِ لزوجكِ.
وفَّق الله الجميع لطاعته، وألهمكِ رشدكِ وأعاذكِ من شرِّ نفسك.
- التصنيف:
- المصدر: