والدي خطب لي فتاة .. وأنا أرفضها
أنا شابٌّ في الخامسة والعشرين مِن عمري، أرْسَل لي أبي رسالةً -منذ سنوات- يُوصيني فيها بالزواج مِن ابنة عمتي، ويذكر توصية أهلها بذلك.
تردَّدْتُ وقتَها قليلًا، وشعرتُ بالحياء مِن أبي، ومع إصرارِه وافقتُ على الموضوع، قبل أشهر بدأتْ عمتي تسأل عن الموضوع؛ لأنني لم أفعلْ أية خطوة تُبَيِّن نيتي في الزواج، ولم أفاتحْ أحدًا في الموضوع.
سألتُ عن الفتاة فوجدتُها تكبرني بثلاث سنوات، ووجدتُ فيها تكبُّرًا عليَّ لمستواها العلمي، وأخبرتْني بأنها ترفُض أن أَتَدَخَّل في عملِها! زيادة على ذلك أن أهلها لم يتوانَوْا عن التقليل مِن قيمتي كلما التقيتُ بهم.
قررتُ الاستخارة، وأصبحتُ بعدها أنفر منها بشدة، ولا أريد الحديث في الموضوع أو زيارتهم، ثم أخبرتُ أمي برفضي التام والقاطع، وعلِم أبي بالأمر.
غضِبَ أبي لِرَفْضِي، ولم يتحدَّث معي في الموضوع مرةً ثانيةً، وأخبرني أني ما دمت رفضت الزواج منها، فلن يكون معي في أي موضوع زواج مستقبلًا!
أخبرتُه بأني لا أراها الزوجةَ المناسِبَةَ لي، وحاولتُ إقناعه بأنَّ هذه الأمور لا تتم بالإكراه أو الغضَب، ولا بد مِن الراحة النفسية والقلبيَّة في الأمور الزوجيةِ.
لم يقتنعْ بكلامي، ولم أستطعْ إقناعَه بأني لا أريدها؛ لأنه يرى أن ذلك من الشيطان، وأن الشيطان يبعدني عنها.
أستحيي أن أقولَ له: إنني أريد العفة لنفسي، ولا أُريد الزواج مِن امرأةٍ لا أرى فيها عفتي، وأنني لا آمن على نفسي أن أُعْجَبَ بِغَيْرِها - نسأل الله العافية.
كل رجائي رضا ربي، ورضا والدي؛ فرِضاه - سبحانه - مِن رضاهما.
فأرشدوني وأخبروني هل أنا برأيي هذا على صواب أو خطأ؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالحمدُ الله الذي أعاذك -أيها الابن الكريم- مِن فتنة النساء، وفَطَرَك على خُلُق الحياء، وشكَر الله لك حرصك على رضاه، ثم رضا والديك.
وبعدُ: فقد أحسنتَ صُنعًا أن رفضتَ الارتباط بقريبتك بعد نُفورِك عنها، وعدم الارتياح إليها بعد صلاة الاستخارة، فالذي يظهر أنَّ ذلك مِن الصرف عنها؛ ببركة صلاة ودعاء الاستخارة، كما يظهر مِن كلامك أيضًا عدم التوافُق الشخصي بينكما، وشعورك بأنها تنظر إليك مِن علُ، والحياةُ الزوجيةُ لا تستقيمُ مع مَن هذا شأنها؛ فضلًا عن أنك لم تلمسْ فيها ما يجلب لك التحصين والحفظ مِن الفِتَن، وما دام الأمرُ على ما ذكرتَ، فاستمرّ في إقناع الوالد بعدم رغبتك في الارتباط بها، واذكرْ له أن الزواج والبيتَ المسلمَ يقوم -في الصورة المثلى- على الحبِّ بين الزوجين، أو يقوم على الرعاية، والصبر، والتجمل، والمعاشرة بالمعروف؛ فالإسلامُ ينظُر إلى الحياة الزوجية بوصفها سكَنًا، وأمنًا، وسلامًا، ومودَّةً، ورحمةً، وأُنسًا، إلى غير ذلك مِن الأخلاق العالية، التي تستحيل مع بعض ما تذكره، فكيف إذا اجتمع!
قال عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه- لرجلٍ أراد أن يُطَلِّق زوجه لأنه لا يحبها: "ويحك، ألم تُبْنَ البيوت إلا على الحبِّ؟ فأين الرعايةُ وأين التذمُّم؟". والتذمُّم: هو الإحسان إلى مَن يذم بترك الإحسان إليه.
وبَيِّن له أيضًا -أيها الابن الكريم- أن الشارع الحكيم العليم أمَرَنا بالنظر إلى وجه مَن نريد الزواج منها؛ لحكمةٍ عظيمةٍ، وهي استمرارُ العشرة، وهذه من الأمور الفطرية التي تقوم عليها حياةُ الإنسان، وضد ذلك لا تستمر معه الحياة.
روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنتُ عند النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فأتاه رجلٌ، فأخبره أنه تزوَّج امرأةً مِن الأنصار، فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «
»، قال: لا، قال: « ».وفي المسنَدِ وسنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «
»، وزاد أبو داود: قال جابر: "قال: فخطبت جاريةً، فكنتُ أتخبأ لها حتى رأيتُ منها ما دعاني إلى نِكاحها وتزوجها، فتزوجتُها".وبَيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العلة في ذلك؛ وهي دوام العشرة؛ فروى أحمد والترمذيُّ عن المُغيرة بن شُعبة، أنه خطب امرأةً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «
».واستَعِنْ بالله في إرضاء والديك، وزِدْ في برِّهما، وفقك الله لكل خيرٍ.
- التصنيف:
- المصدر: