زوجي يصر على معاشرتي من الدبر
الأحاديثُ الشريفةُ تَدُلُّ صَراحةً على تحريم وطْءِ الزوجة في دُبُرها، وأنه يجب عليك ألا تُطيعي زوجك إذا طلب منك ذلك، ولا تُمَكِّنيه مِن نفسك
زوجي يُلِحُّ عَلَيَّ بأن يُعَاشِرَنِي مِن الخَلْف (الدُّبُر)، وعندما رفضتُ أخبرني بأنه لو كان رآني قبل الزواج لفَعَل ذلك معي من غير زواج!!
أشعر بالقلق والخوف كثيرًا مِن أن تكون له علاقات قبل الزواج غير شرعية، خاصة أنه بدأ يستخدمُ أدواتٍ عند معاشرتي!
فأخبروني ماذا أفعل معه؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإنَّ ما يطلبه زوجُك منك هو معصيةٌ كبيرةٌ، ومِن الأمور الخطيرةِ جدًّا مِن الناحية الصحية والنفسية، ولكن ليس معنى هذا أنه شاذٌّ، أو كانتْ له علاقات قبل الزواج غير شرعية بتلك الطريقة، فمع الأسف دخل كثير مِن تلك العادات المحرَّمة إلى المسلمين عن طريق الدخول على المواقع الإلكترونية المُنْحَرِفة، وهذا يُفَسِّر استخدامه أدوات عند مُعاشَرتك.
وما أَذْكُره لا يُهَوِّن مِن حرمة تلك الفعلة الشنيعة، وأنها مِن كبائر الذنوب، بل قد لعن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلَها، فقال: «ملعونٌ مَن أتى امرأةً في دبُرها» (رواه أبو داود)، وروى الترمذيُّ عن ابن عباس مرفوعًا: «لا ينظر الله إلى رجلٍ أتى رجلًا، أو امرأةً في الدبُر».
وعن عبد الله بن عمرٍو -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تلك اللوطيَّة الصُّغرى»؛ يعني: إتيان المرأة في دبُرها؛ (رواه أحمدُ، والبزَّارُ، ورجالهما رجالُ الصحيح، وحسَّنه الألبانيُّ).
وقال أيضًا: «مَن أتى كاهنًا فصَدَّقه، أو أتى امرأةً في دبُرها، فقد كفر بما أُنْزِل على محمدٍ» (رواه أحمد، وصححه الألبانيُّ). وقال: «لا ينظر الله لرجلٍ جامَعَ امرأته في دُبُرها» (رواه ابن ماجه).
فهذه الأحاديثُ الشريفةُ تَدُلُّ صَراحةً على تحريم وطْءِ الزوجة في دُبُرها، وأنه يجب عليك ألا تُطيعي زوجك إذا طلب منك ذلك، ولا تُمَكِّنيه مِن نفسك، ولا يقال: إن على الزوجة طاعة زوجها؛ فإنما الطاعةُ في المعروف، وهذا مُنْكَرٌ عظيمٌ، فكيف تطيعينه فيه؟!
بل الواجبُ في حق هذا الزوج أن يُؤَدَّبَ، ويُعَزَّر، وإذا أصرَّ فُرِّق بينه وبين زوجته، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومتى وطئها في الدبُر وطاوعته عزِّرَا جميعًا؛ وإلا فرق بينهما؛ كما يفرق بين الفاجر، ومَن يفجر به".
وسئل -رحمه الله تعالى- عما يجب على مَن وطئ زوجته في دُبُرها، وهل أباحه أحدٌ من العلماء؟
فأجاب: "الحمدُ لله رب العالمين، الوطءُ في الدبُر حرامٌ في كتاب الله، وسُنة رسوله، وعلى ذلك عامةُ أئمة المسلمين؛ مِن الصحابة، والتابعين، وغيرهم، فإن الله قال في كتابه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، وقد ثبَت في الصحيح: أنَّ اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته في قبُلها مِن دُبُرها، جاء الولَدُ أحول، فسأل المسلمون عن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، والحرْثُ: مَوْضِعُ الزرع، والولدُ إنما يُزْرَعُ في الفَرْج، لا في الدُّبُر، {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} وهو موضعُ الولد، {أَنَّى شِئْتُمْ}؛ أي: مِن أين شئتم؛ مِن قُبُلِها، ومِن دُبُرها، وعن يمينها، وعن شمالها؛ فاللهُ تعالى سمَّى النساء حرثًا؛ وإنما رخص في إتيان الحروث، والحرثُ إنما يكون في الفرْجِ؛ وقد جاء في غير أثرٍ: أن الوطء في الدُّبُر هو اللوطية الصُّغرى، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله لا يستحيي مِن الحق؛ لا تأتوا النساء في حُشوشهنَّ»؛ والحشّ: هو الدُّبُر، وهو مَوْضِعُ القَذَر، واللهُ -سبحانه- حرَّم إتيان الحائض، مع أنَّ النجاسة عارضةٌ في فَرْجِها، فكيف بالموْضِع الذي تكون فيه النجاسةُ المُغَلَّظة، وأيضًا؛ فهذا مِن جنس اللواط، ومذهبُ أبي حنيفة، وأصحابُ الشافعي، وأحمد، وأصحابه أن ذلك حرامٌ، لا نزاعَ بينهم، وهذا هو الظاهرُ مِن مذهب مالكٍ وأصحابه؛ لكن حكى بعضُ الناس عنهم روايةً أخرى بخلاف ذلك، ومنهم مَن أنكر هذه الرواية، وطعن فيها، وأصلُ ذلك ما نُقِلَ عن نافعٍ أنه نَقَلَهُ عن ابن عمر، وقد كان سالم بن عبد الله يُكَذِّب نافعًا في ذلك، فإما أن يكونَ نافعٌ غلط، أو غلط مَن هو فوقه، فإذا غلط بعضُ الناس غلطةً، لم يكن هذا مما يسوغ خلاف الكتاب والسنة". اهـ.
وتحريمُ الشارع لتلك العادة الذميمة للأضرار الصحية التي تحصُل منها، فلا تستسلمي لزوجك، ولا تُمَكِّنيه مِن فِعْل ذلك، وذكِّريه بالله -تبارك وتعالى- وبَيِّني له أن هذا سببٌ للأمراض، وأن هذا سببٌ للنفور، وأنه مُصادمةٌ للفطرة، وتَزَيَّني له، واطلبي منه أن يأتيك في الموضع الذي أمر الله -تبارك وتعالى- به، وأباحه للرجال.
قوي صلتك بالله بالمُواظَبة على ذِكْره، وشُكره، وحُسْن عبادته، وأكْثِري اللجوء إليه سبحانه، وأكْثِري الدعاء لزوجك أن يُلْهِمَهُ الله رُشْدَهُ، ويُعيذه مِنْ شرِّ نفسه.
هذا؛ وسأنقُل لك كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن القيم لتُطْلِعي زوجك عليه: قال رحمه الله في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/ 235 -242):
"وأما الدبُر: فلم يُبحْ قط على لسان نبي مِن الأنبياء، ومَن نسب إلى بعض السلف إباحةَ وطء الزوجة في دبُرها، فقد غلط عليه...، وقد قال تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، قال مجاهد: سألتُ ابن عباسٍ عن قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، فقال: تأتيها من حيثُ أُمِرْتَ أن تعتزلها؛ يعني: في الحيض، وقال علي بن أبي طلحة عنه، يقول: في الفرْج، ولا تعده إلى غيره.
وقد دلَّت الآيةُ على تحريم الوطْءِ في دُبُرِها مِن وجهَيْنِ: أحدهما: أنه أباح إتيانها في الحَرْث، وهو موضعُ الولد، لا في الحشّ، الذي هو موضعُ الأذى، وموضعُ الحرث هو المراد من قوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} الآية، قال: فَ {أْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، وإتيانها في قُبُلها مِن دبرها مُستفادٌ من الآية أيضًا؛ لأنه قال: {أَنَّى شِئْتُمْ}؛ أي: مِن أين شئتم، مِن أمامٍ، أو مِن خلفٍ؛ قال ابن عباسٍ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}؛ يعني: الفَرْج.
وإذا كان الله حرَّم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحشّ الذي هو محل الأذى اللازم، مع زيادة المفْسَدة بالتعرض لانقطاع النَّسْل والذريعة القريبة جدًّا مِن أدبار النساء إلى أدبار الصبيان؟!
وأيضًا: فللمرأة حقٌّ على الزوج في الوطء، ووطْؤُها في دُبُرها يُفوِّت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يحصل مقصودها.
وأيضًا: فإن الدبُر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يُخْلَق له، وإنما الذي هُيِّئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعًا.
وأيضًا: فإنَّ ذلك مُضِرٌّ بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاءُ الأطباء مِن الفلاسفة وغيرهم؛ لأنَّ للفرج خاصيةً في اجتذاب الماء المحتقن، وراحة الرجل منه، والوطء في الدبُر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن؛ لمُخالَفَتِه للأمر الطبيعيِّ.
وأيضًا: يَضُرُّ من وجهٍ آخر، وهو إحواجه إلى حركاتٍ متعبةٍ جدًّا؛ لمخالفتِه للطبيعة.
وأيضًا: فإنه محلُّ القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه، ويُلابسه.
وأيضًا: فإنه يُضِرُّ بالمرأة جدًّا؛ لأنه واردٌ غريبٌ بعيدٌ عن الطباع، مُنافرٌ لها غاية المنافَرة.
وأيضًا: فإنه يحدث الهم والغم، والنفرة عن الفاعل والمفعول.
وأيضًا: فإنه يُسَوِّد الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب، ويكسو الوجه وحْشةً تصير عليه كالسيماء يعرفها مَن له أدنى فراسةٍ.
وأيضًا: فإنه يوجب النفرة والتباغُض الشديد، والتقاطُع بين الفاعل والمفعول، ولا بد.
وأيضًا: فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فسادًا لا يكاد يُرجى بعده صلاحٌ، إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.
وأيضًا: فإنه يُذهب بالمحاسن منهما، ويكسوهما ضدها، كما يذهب بالمودَّة بينهما، ويُبدلهما بها تباغضًا وتلاعُنًا.
وأيضًا: فإنه مِن أكبر أسباب زوال النِّعَم، وحلول النِّقَم، فإنه يوجب اللعنة والمقْتَ مِن الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه؛ فأيُّ خيرٍ يرجوه بعد هذا؟! وأي شر يأمنه؟! وكيف حياة عبدٍ قد حلتْ عليه لعنةُ الله ومقته؟! وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه؟!
وأيضًا: فإنه يذهب بالحياء جملةً، والحياءُ هو حياة القلوب، فإذا فَقَدَها القلبُ، استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذٍ فقد استحكم فساده.
وأيضًا: فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبْعِه إلى طبعٍ لم يركب الله عليه شيئًا مِن الحيوان، بل هو طبعٌ منكوسٌ، وإذا نكس الطبع، انتكس القلبُ والعمل والهدى، فيستطيب - حينئذٍ - الخبيث مِن الأعمال، والهيئات، ويفسد حاله، وعمله، وكلامه بغير اختياره.
وأيضًا: فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه.
وأيضًا: فإنه يورث مِن المهانة والسفال والحقارة ما لا يُورثه غيره.
وأيضًا: فإنه يكسو العبد مِن حلة المقت والبغضاء، وازدراء الناس له، واحتقارهم إياه، واستصغارهم له ما هو مُشاهَدٌ بالحسِّ، فصلاةُ الله وسلامه على مَن سعادة الدنيا والآخرة في هديه، واتباع ما جاء به، وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفة هديه وما جاء به". انتهى مختصرًا.
وفق الله المسلمين للعمل بالكتاب والسنة.
- التصنيف:
- المصدر: