علاج التثاؤب في الصلاة

منذ 2013-07-03
السؤال: أنا شابٌّ مسلمٌ، عندما أصلِّي أتثاءَب كثيرًا، وأحيانًا يكون التثاؤُبُ عند ألفاظٍ معينةٍ؛ فمثلًا: عندما أقول في التحيَّات: "أشهد أنْ لا إله إلا الله" أتثاءَب، وفي الفاتحة عند قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]، مع العلم بأني أتثاءَب كثيرًا في الصلاة، وقراءة القرآن، فهل هذا سحرٌ أو حسدٌ؟ وما علاج هذا الشيء؟
الإجابة: الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلا شكَّ أخي الكريم أن التثاؤبَ والنُّعاس في الصلاة أو أثناء قراءة القرآن مِن طرُق الشيطان لإلهاءِ المصلِّي، وشَغْل فكرِه، ووسوسته له في صلاته، فيتسلَّط عليه بالتثاؤُب؛ حتى يشغلَه بها عن صلاته، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن التثاؤب مِن الشيطان، وأمرنا أن نردَّ التثاؤب ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، فإذا غَلَبنا التثاؤب، فقد أُمِرْنا أن نضعَ أيدينا على أفواهِنا؛ فعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "التثاؤُبُ من الشيطان، فإذا تَثَاءَبَ أحدُكم - وفي رواية: في الصلاة - فليكظمْ ما استطاع؛ فإن الشيطان يدخل" [رواه مسلم]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "التثاؤُبُ مِن الشيطان، فإذا تَثَاءَبَ أحدُكم، فليردَّه ما استطاع؛ فإنَّ أحدكم إذا قال: ها، ضحِك الشيطان" [متفق عليه].

قال الحافظ ابن حجَر رحمه الله: "قال ابن بَطَّال: إضافة التثاؤُب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة؛ أي: إنَّ الشيطان يحبُّ أن يرى الإنسان مُتثائبًا؛ لأنها حالة تتغيَّر فيها صورتُه، فيضحك منه، لا أنَّ المراد أن الشيطان فعل التثاؤُب"، وقال ابن العربي: "قد بيَّنا أنَّ كلَّ فِعْلٍ مكروهٍ نسبه الشرعُ إلى الشيطان؛ لأنه واسطتُه، وأن كلَّ فعل حسن نسبَه الشرعُ إلى المَلَك؛ لأنه واسطتُه"، قال: "والتثاؤب مِن الامتلاء، وينشأ عنه التكاسُل، وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس مِن تقليلِ الغذاء، وينشأ عنه النشاطُ، وذلك بواسطة المَلَك"، وقال النوويُّ: "أُضيفَ التثاؤُب إلى الشيطان؛ لأنه يدعو إلى الشهوات؛ إذ يكون عن ثقل البدَن، واسترخائه، وامتلائه"، والمراد: التحذير من السبب الذي يتولَّد منه ذلك، وهو التوسُّع في المأكل.

قوله: "فإذا تَثَاءَبَ أحدُكم، فليردَّه ما استطاع" أي: يأخذ في أسباب ردِّه، وليس المراد به أنه يملكُ دفْعه؛ لأن الذي وقع لا يردُّ حقيقةً، وقيل: معنى: "إذا تَثَاءَب": إذا أراد أن يَتَثَاءَبَ..، قال شيخُنا - أي: الحافظ العراقي - في شرح الترمذيِّ: "أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤُب، ووقع في الرواية الأخرى تقييدُه بحالة الصلاة، فيحتمل أن يحملَ المُطلَق على المقيَّد، وللشيطان غرضٌ قويٌّ في التشويش على المصلِّي في صلاته، ويحتمل أن تكونَ كراهته في الصلاة أشدَّ، ولا يلزم مِن ذلك ألا يكره في غير حالة الصلاة"، وقد قال بعضُهم: "إن المُطلَق إنما يُحمَل على المقيَّد في الأمر، لا في النهي، ويؤيد كراهته مُطلقًا كونه مِن الشيطان؛ وبذلك صرَّح النوويُّ".

وللتخلُّص مِن التثاؤب حال الصلاة أيها الأخ الكريم عليك أن تدخلَ فيها بجدٍّ ونشاطٍ، وهمةٍ وعزيمةٍ صادقةٍ قويةٍ، ولتعلمْ أن الشيطان لك عدوٌّ، فحاول ردَّه ما استطعتَ، فإنْ غلَبَك، فضعْ يدَك على فيك، ولا تجعل للشيطان سبيلًا عليك.

وسَلِ الله سبحانه وتعالى العافيةَ مما يحدُث لك في صلاتك، وإذا سألتَ الله تعالى بصِدْقٍ، وفعلتَ ما تستطيع مِن محاولة إزالة هذه المظاهِر، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

أما ارتباطُ التثاؤُب في الصلاة، أو حال قراءة القرآن، بأنَّ صاحبه محسودٌ أو مسحور، فهو شيءٌ مشهورٌ عند الناس، ولكنه غيرُ صحيح، ولا نعرف له أصلًا شرعيًّا، ولا رُوحانيًّا.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 12
  • -1
  • 72,131

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً