رجل يريد تعلم الدين عبر السكايب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة أدرس للشريعة الإسلامية، وصلني طلب صداقة على موقع (الفيس بوك) من شابٍّ، فقبلتُه في قائمة الأصدقاء، ثم أرسل إليَّ رسالة يقول فيها: عرفتُ أنك طالبة شريعة مِن بياناتك، وأَوَدُّ أن أسألك عن أمورٍ في الدين!
وافقتُ، وسألني أسئلة مِن مثل: أنا أعرف أن الله ربي، لكن لا أعرف مَن هو؟ وما صفاته؟ وأعرف يوم القيامة، لكن لا أعرف ماذا سيحدث فيه؟
صُدِمْتُ من الأسئلة، خاصة وأنه مسلمٌ مِن بلد مسلمٍ، والمفترضُ ألا يكون الجهل إلى هذا الحد!
قلتُ: ربما هو المقصر، فبدأتُ في تعليمه، وأرسلتُ له روابطَ مواقع موثوقة، وأخبرني أنها نفعتْه جدًّا!
طلب مني اسمي في برنامج (سكايب)، وأعطيته له، وقام بإضافتي، ولم أُفَكِّر في شيء وقتها؛ لأني كنتُ مُتَحَمِّسة لأجيبَ عن استفساراته الدينية لا أكثر، وكنتُ أُحاول ألا أحادثه خارج هذه الحُدود، لكنه أحيانًا يحبُّ أن يتحدثَ عن حياته؛ فأضطرُّ إلى سماعه والتجاوب معه!
شعرتُ أني على خطأ، رغم أنه محترمٌ، ولم يصدرْ منه أمرٌ مخالفٌ، وبدأت أقلِّل مِن دُخولي إلى هذه المواقع كثيرًا، وأفَكِّر في حذفِه مِن برنامج (سكايب).
فأرشدوني إلى الصواب، بارك الله فيكم.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فلقد ذكَّرني فعلُك مع هذا الشاب أيتها الابنة الكريمة بما رواه الدارمي في سننه (1 / 286) عن عمرو بن يحيى، قال: سمعتُ أبي يحدِّث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قبل صلاة الغداة، فإذا خرج، مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فقال: أخرج إليكم أبو عبدالرحمن؟ قلنا: لا بعدُ، فجلس معنا حتى خرج،
فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى:
"يا أبا عبدالرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرتُه ولم أرَ - والحمد لله - إلا خيرًا!" قال: "فما هو؟" فقال: "إن عشت فستراه"،
قال: "رأيتُ في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: "فماذا قلت لهم؟" قال: "ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك، أو انتظار أمرك".
قال: «أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم، وضمنت لهم ألا يضيع مِن حسناتهم»، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحِلَق، فوقف عليهم، فقال:
«ما هذا الذي أراكم تصنعون؟»، قالوا: "يا أبا عبدالرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح"،
قال: «فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابُه لم تبلَ، وآنيته لم تكسرْ، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم، أو مفتتحو باب ضلالة»،
قالوا: "والله يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا إلا الخير"، قال: "وكم مِن مريدٍ للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: «أن قومًا يقرؤُون القرآن لا يجاوز تراقيهم»، وايم الله، ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم؟!"
فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج"، والأثر صححه الألبانيُّ في سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/ 11) رقم 2005.
فتأمَّلي - أيتها الابنة الكريمة جيدًا - قولَ ذلك الصحابي الجليل الذي قال فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد»؛ يعني ابن مسعود، تأمَّلي قوله: "وكم مِن مريدٍ للخير لن يصيبه".
فلا يكفي القصد الحسن ولا النية الصالحة لتصحيح الفعل، وليصيب الإنسان الخير، وينال الثواب والقرب من الله، وإنما لا بد مع ذلك مِن شرطٍ ثانٍ من شروط العمل الصالح، وهو موافقة الشرع الحنيف.
فكما أنك تقصدين بأقوالك وأعمالك الظاهرة والباطنة وجهَ الله تعالى دون غيره، فكذلك يجب عليك تحري موافَقة الشرع الذي أمر الله تعالى ألا يعبد إلا به، وذلك يكون بمتابَعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وترك ما نهى عنه.
وقد تضافرت الأدلةُ مِن الكتاب والسنة على تحريم ومنْع أشياء هي ذاتها مباحة؛ كالخلوة بالأجنبية، والسفر ومعها، والاختلاط والتبسط في الحديث، إلى غير ذلك، لا لشيءٍ إلا لأنها من خطوات الشيطان الذي يسلم المرء بها للهاوية؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
يستجيش ضمائرهم ومشاعرهم، ويستثير مخاوفهم بتذكيرهم بعداوة الشيطان لهم، تلك العداوة الواضحة البينة، التي لا ينساها إلا غافل، والغفلةُ لا تكون مع الإيمان.
إنها لصورةٌ مُسْتَنْكَرَة أن يخطوَ الشيطان فيتبع المؤمنون خطاه، وهم أجدرُ الناس أن ينفروا من الشيطان، وأن يسلكوا طريقًا غير طريقة المشؤوم، صورة مستنكرة يَنْفِر منها طبع المؤمن، ويرتجف لها وجدانه، ويقشعر لها خياله، ورسم هذه الصورة ومواجهة المؤمنين بها يثير في نفوسهم اليقظة والحذر والحساسية - كما قال الأستاذ سيد قطب في ظلال القرآن (1/ 211)، (4/ 2504).
فلا يخفى على مِثْلِك - سلمك الله - خطورةَ ما تفعلينه، كما لا يخفى على أحدٍ يعرف الإنترنت - الكم الهائل من الكذِب والخديعة بين الرجال والنساء على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المحادَثات، والتعرُّف وغير ذلك، وفي كثيرٍ مِن الأحيان تكون الشباكُ المُسْتَخْدَمَة للصيد - ومع شديد الأسف - باسم الدين، نسأل الله السلامة والعافِيَة.
وحتى لو افترضتُ معك أنَّ هذا الرجل حسن النية، صادقٌ في طلب النصح، فكيف لم يجدْ على الشبكة العنكبوتية أحدًا من الرجال العارفين ليسأله؟! ألا يوجد رجل طالب في كلية شرعية غيرك؟!
ثم إنك قد أعطيته روابطَ لمواقعَ استفاد منها، فما الداعي أن يعاود الاتصال بك من جديد؟! بل وما ضرورة إضافتك له على (السكايب)، وأظنك تدركين خطورةَ ذلك الأمر؟
في كل الحالات المشابِهة بعدما تَزول الكُلفة بينكما بكثرة المعامَلة، يبدأ الفصل الثاني من الكلام العاطفي، ثم الفصل الثالث وهكذا، فهذه طريقةٌ قديمةٌ مُجَرَّبةٌ، وإنما هي جديدة عليك أنت فقط.
الابنة الكريمة، لا تترددي في حجب ذلك الشخص من (السكايب) و(الفيس بوك)؛ حتى لا يطول ندَمُك، كما احذري ألا تكرري ذلك الخطأ في المستقبل؛ وتأمَّلي معي - رعاك الله - هذا الحديث الشريف الذي يخلع قلوب المؤمنين؛
فقد روى أحمد في مسنده، عن النَّوَّاس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبوابٌ مُفَتَّحةٌ، وعلى الأبواب ستور مُرْخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرَّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحْه، فإنك إن تفتحه تلِجْهُ، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كلِّ مسلم».
وفي الختام أذكر لك تلك القصة المعبِّرة التي وقعتْ في سنة 329 مع بجكم التركيّ أمير الأمراء قبل بني بويه، ورواها ابن الجوزي في "المنتظِم في تاريخ الملوك والأمم" (14/ 12):
عن عبدالسلام بن الحارث، قال: جاء رجل من الصوفية إلى بجكم فوعظه، وتكلم بالفارسية والعربية، حتى أبكاه بكاء شديدًا، فلما ولى، قال بجكم لبعض مَن حضره: احمل معه ألف درهم، فحملت، وأقبل بجكم على من بين يديه، فقال: ما أظنه يقبلها وهذا متخرق بالعبادة، أيش يعمل بالدراهم؟ فما كان بأسرع مِن أن جاء الغلام فارغ اليد، فقال لَهُ بجكم: أعطيته إياها؟ قال: نعم، فقال بجكم: كلنا صيَّادون، ولكن الشباك تختلِف.
حفظ الله نساء المسلمين أجمعين.
- التصنيف:
- المصدر: