طلقت زوجتي لأنها لا تحترمني
شاب متزوِّج بينه وبين زوجته مشكلاتٌ كثيرة، أدتْ إلى أن يطلقها طلقةً واحدة، وسببُ المشكلة أنها لا تحترمه وترُد عليه كلامه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ متزوِّج منذ أربع سنوات، زوجتي في العشرين وأنا في الثلاثين مِن العمر، لم نُرْزَقْ بأطفال حتى الآن.
قبل زواجي شابتْ علاقتنا الكثير مِن المشكلات كرجلٍ لا أقبل الإهانة؛ منذ فترة بدأتْ بالسبِّ والدعاء عليَّ، فقمتُ بضربِها.
أراها لا تحترمني ولا تُقدرني، مع أنها تُحبني، وللأسف لا يوجد مَن يُوَجِّهها مِن أهلها.
ذهَبتْ لبيت أهلِها كثيرًا، ولا يقف لها أبوها أو أخوها، ولا يلومُها أحدٌ على شيءٍ، حاولتُ مع أهلها كثيرًا، وأخبرتُهم بأنهم لا بد أن يتكلَّموا معها ليعرفوها الصواب والخطأ، لكن لا حياة لمن تُنادي.
آخر مشكلة بيننا، أتيتُ من العمل وكنتُ غاضبًا بعض الشيء، ولم أجد احتياجاتي جاهزة، فحصلتْ بيننا مشكلة أدتْ إلى الشِّجار بالأيدي، فضربتُها، فقامتْ بالاتصال على أهلها، وطلبتْ منهم أن يأتوا إليها لأخْذِها.
وصلتُ لمرحلة لا أستطيع معها التحمُّل، فطلقتُها الطلقة الأولى، وذهبتْ إلى أهلها بعد المشكلة الأخيرة.
اتصلتُ بهم كثيرًا، لكنهم لا يرُدُّون على اتصالي، فهم يَرون أني ظالِم لها، وأني مَن أغضب بلا سبب، وأتوقَّع أنهم سيَطْلُبون الطلاق أو مُماطلتي حتى أخْضَعَ لهم!
أرجو منكم إخباري: كيف أتصرف معهم ومعها؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فاسمحْ لي بدايةً - أخي الكريم - بِوَقْفة لازمةٍ تُبَيِّن لك وتُجيب في نفس الوقت عن سر المشاكل الزوجية والصراعات المارثونيَّة بين الرجل والمرأة، والتي سببُها في الغالب الأعمِّ جهلُ الرجل بسياسة النساء، المتمثِّلة في الصبر على عِوَجِهنَّ، وأخْذ العفوِ منهنَّ، ومُداراتهنَّ، وخفْضِ الجناح، ولين الكلمة، وترْك الإغلاظ في القول والفعل، ومُراعاة تلك السياسة مِن أقوى أسباب الأُلْفة واستمالة نفس المرأة وتأليف قلبها.
ومن سياستهنَّ: قهرُ رغبة النفس في تقويم ما لا يستقيم مِن أخلاقهنَّ، ومَن رام ذلك فاته الانتفاعُ بهنَّ، مع أنه لا غنى لجنس الخلْق عنهنَّ؛ فهي السكَنُ ورفيقةُ الدَّرْب، وبها يُستعان على صُعوبة الحياة وغير ذلك، ولا يتم شيءٌ منه إلا بالصبر عليهنَّ.
والحاصلُ أن هناك مَحطات في شخصية المرأة وأخلاقها، لا تستجيب أبدًا للتقويم، والخطأُ الأولُ للرجل يكْمُنُ في حَملها على خِلاف ذلك، فيُفسدها، وإن ترَكها على ما هي عليه مِن التِواءاتِ النفس، واعوجاج الطبْع - فسدتْ أيضًا، فتعيَّن عليه معرفة المناطق التي تقبل التقويم، والتي لا يسعه ذلك حتى ينتفعَ بها ويُستفادَ منها.
ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لنا أن المرأة مِن أصل الخلقة فيها عوجٌ شديدٌ في خلْقِها وفِكْرِها، فمَن أراد منها الاستقامة التامَّة آل الأمرُ إلى طلاقِها؛ كما في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنِّساء، فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ مِن ضلعٍ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرته، وإن تركتَه لَم يزلْ أعوج، فاستوصوا بالنساء».
وفيهما عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المرأةُ كالضلع، إن أقمتَها كسرْتَها، وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وفيها عِوَجٌ»، وفي رواية عند مسلم: «إن المرأة خُلِقَتْ مِن ضلع لن تستقيمَ لك على طريقةٍ، فإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وبها عِوَجٌ، وإن ذهبتَ تُقيمها، كسرتها وكسْرُها طلاقُها».
فبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم بأوجزَ عبارةٍ وأفصحها كيف يتمكَّن للرجل أن يسوسَ المرأة، فلا يبالِغ فتكسر، ولا يتركها فيزداد عِوَجُها، وبَيَّن الشارعُ الحكيمُ أنها إذا تعدتْ ما طبعتْ عليه مِن النقص إلى تعاطي المعصية أو ترْك الواجبات الشرعية، وجَب تقويمها بالنصح والإرشاد؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، الإمامُ راعٍ ومَسؤول عن رعيته، والرجلُ راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته»؛ متَّفَق عليه.
وإنما المرادُ أن يتركَها على اعوجاجِها في الأمور المباحة.
وتأمَّل رعاك الله تَنْبِيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حقيقة وهي: «وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه»؛ لأن أعلاها رأسها، وفيه لسانُها، وهو الذي يحصُل منه الأذى؛ قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 253).
وقد ذكر هذا لبيان الحكمة مِن الوصية بهنَّ في قوله: «استوصوا بالنساء خيرًا»؛ أي: أوصيكم بهنَّ خيرًا، فاقبلوا وصيتي، وتواصَوْا فيما بينكم بالإحسان إليهنَّ.
وهنا يجب التنبُّه لأمر هامٍّ وهو: أن المرأة كالرجل، لا تخلو مِن أمور محبوبةٍ ومرضية، وهي كثيرة لمن طلبها، ومِن أمور مكروهة، فلا ينبغي للعاقل أن يرجحَ مقتضى الكراهة على مقتضى المحبة، بل يُوازن كما جاء الشرعُ الحنيفُ؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كَرِه منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخر»؛ رواه مسلم.
وما ذكرتَه في رسالتك - أخي الكريم - من أسلوب مُتَّبَع مع زوجتك، يدُلُّ على أنك لم تراعِ ما خُلِقَتْ عليه المرأةُ عمومًا، وأنها في كثيرٍ مِن الأحيان لا يُفيد معها التأديب، أو ينجح عندها النُّصح، فكيف بالضرْب والعصبية؟!
والحلُّ أن تبدأ حياتك من جديد، وفْقَ ما ذكرتُه لك من معطيات، وأن تجاهدَ نفسك بالتحلي بالصبر، وحُسن العِشرة، وترْك المخاشنة والتوبيخ والتعنيف، إلا في حقوقِ الله - عز وجل - والتغافُل عن كثيرٍ من الأخطاء، وعدم الوقوف لها على صغير الأمر وكبيره، وتنازَلْ عن بعض حقوقك، ولا تنشد الكمالَ؛ فإنه يؤدِّي إلى الطلاق.
فاذهبْ لأهل زوجتك، وراجع زوجتك، ولتبدأ معها صفحةً جديدةً، ولتَعترفا بمنطق الواقع، وهو أنَّ كلاًّ منَّا عنده خير وشر، والعاقلُ مَنْ وازَن بين هذا وذاك في تعامُله مع الآخر، واجعلاَ الحوارَ الهادئ وسيلةً فعَّالةً بينكما، ولا بأس من الاستعانة ببعض العقلاء؛ ليجلسَ معكما، وينظر في تلك المشاكل لتجنُّب تَكْرارها في المستقبل؛ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].
وفقكما الله لكل خيرٍ، وجَمَع بينكما على خيرٍ.
- التصنيف:
- المصدر: