أهل زوجي يتهمونني بالسرقة
فتاة متزوجة منذ 3 أشهر، وتَسكُن مع أهلِ زوجِها، سُرِقَ ذهبُها، واتَّهمَها أهلُ زوجها بالسرقة.. وهي تبحث عن حل.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أنا فتاةٌ تزوجتُ منذ 3 أشهر، وأسكُن مع أهل زوجي، كنتُ على علاقةٍ طيبةٍ ورائعة بوالدتِه، وكنتُ أُكِنُّ لها كثيرًا مِن الحبِّ والاحترام، لكن هذا لم يستمرَّ كثيرًا؛ إذ بدون سابق إنذار انقلبتِ الأحوالُ، وسُرِقَتْ بعضُ الأشياء الثمينة من غرفتي، وعندما تساءَل زوجي عما حصل أصبح اللومُ عليَّ، واتهمني أهلُ زوجي - وخاصَّة أمه - بسرقة ذهبي؛ لكي أُحْدِثَ بَلْبَلَةً، وأُفَرِّق بين الإخوة!
أقسمتُ بأنني لم أفعلْ ذلك، وأنني بريئة، لكن أهل زوجي تعامَلوا معي على أنني السارقة والدخيلة، وقامتْ والدةُ زوجي بسبِّي، ولم أعُدْ أعرف للسَّكينة طريقًا، وكلما حدثتُ زوجي يقول: اصبري فهناك حل!
زاد الطين بلة أنَّ كلَّ أسرار حياتي عند الجيران، ناهيك عن أسرار العلاقة الزوجية التي تَبوح بها والدةُ زوجي بُهتانًا وظُلمًا!
لَم أستَطِع التحمُّل، وعُدتُ لبيت أهلي، وكنتُ حاملاً، ومن كثرة الحُزن سقَط المولود، ولم يسأل عني زوجي لمدة شهر وزيادة!
حاول زوجي إرجاعي؛ فاشترطتُ سكنًا مُستقلاًّ، على أن أدفعَ أنا إيجارَه مقابل أن أرتاحَ؛ فرَفَض زوجي الفِكرة، وقال لي بصريح العبارة: "أنا مع أمِّي ظالمة أو مَظلومة، ولديك خياران: إما العودة إلى المنزل، وإما الطَّلاق"!
فأخبروني ماذا أفعل؟ فأنا ما زلتُ عروسًا لم يَمضِ على زواجي أشهر معدودة، فهل أُطَلَّق في بداية حياتي الزوجية؟
أدعو الله دومًا لكي يَمُدني بالصبر، ومستحيل أن أعودَ لهذا الجحيم الذي عشتُه حتى فقدتُ مولودي، وفي المقابل لا أريد فَقْدَ زوجي!
أشيروا عليَّ بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
ففَرَّجَ اللهُ هَمَّك، وأَصْلَحَ لك زوجَك، وشَرَح صدرك، ويَسَّرَ أمرَك.
الذي يَظْهَر مِن كلامك أنَّ زوجك لا يخفى عليه سُوء معامَلة أمِّه لك، وهذه أمورٌ لا يخفى على أحدٍ قُبْحها، وظُلْم فاعلِها، وقوله: "أنا مع أمي ظالمة أو مظلومة" له معنى صحيحٌ يَجِبُ عليك بيانه له؛ ففي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أخاك ظالمًا أو مَظْلُومًا»، فقال رجلٌ: يا رسول الله، أَنْصُرُه إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا، كيف أَنْصُره؟ قال: «تحجزه - أو تمنَعُه - مِن الظلم؛ فإن ذلك نَصْره».
فالشارعُ الحكيمُ أَوْجَب عليه أن ينهى أمَّه عما بدَر منها، ولا يُعينها عليه برفقٍ ولينٍ مع الحكمة، فالظُّلْمُ ظُلمات يوم القيامة، كما صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
فسَبُّ أُمِّ زوجك لك وقَذْفُك وإفشاءُ أسرار العلاقة الزوجية - كلُّ هذا غير جائزٍ، وحرامٌ شرعًا، ويُوجب على زوجك نُصحها في ذلك برِفقٍ؛ فهذا مِن الإحسان إليها، وأَخْذ حقِّك منها.
أيضًا يجب عليه أن يُوازِنَ بحكمةٍ بين بِرِّ والدته وعدم ظُلمه لكِ، فالله تعالى أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه، فأوْجَبَ عليه أن يُعاشِرَكِ بالمعروف، ويُحْسِنَ إليك، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلُقًا، وخيرُكم خيرُكم لنسائهم»؛ رواه التِّرمذي.
وقال في حقِّ الأم لما قال له رجلٌ: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحُسن الصُّحبة؟ قال: «أمُّك، ثم أمُّك، ثم أمُّك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك» ؛ رواه مُسلم.
ولا شكَّ أنَّ حرصه على برِّ أمِّه مِن علامات صلاحِه، فينبغي أن تُشَجِّعيه على ذلك، ولكن بغير ظُلْم لك، ونَهْيُ أمِّه عن ظُلمك ليس مِن العُقُوق، ويتعيَّن عليه علاجُ الأمر والإصلاح بينكما.
واعلمي أيتها الأختُ الفاضلة أنَّ مِن حُسن عِشرة الزوجة لزوجها: التجاوُز عن زلاَّته؛ فذلك مِن حُسن الخُلُق الذي يثقل الموازين يوم القيامة، كما أنه يَزيد مِن محبَّة زوجك واحترامه لك مراعاة ظروفه، ومدى حاجته لبِرِّ أمِّه والإحسان إليها، لكن بغير ظُلم لك؛ فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضررَ ولا ضِرار»؛ رواه مالك.
وإن كنتِ مُصِرَّةً على الخُرُوج من بيت أسرة زوجك، فلْيَكُنْ طلَبُك بتعقُّل وحكمةٍ ومراعاةٍ لظروف زوجك، فربما كان عاجزًا عن توفير غير هذا السكَن الحالي، وتبرُّعك بتوفير سكن آخر لا يوجب عليه القَبول، وربما سَبَّب انتقالُه قطيعةً بينه وبين أمِّه، أو كانتْ في حاجة إلى قُربه ورعايتِه، وغير ذلك، ومِن ثَم ينبغي لك التأنِّي واستِصحاب الصبر، حِفاظًا على حياتكما الزوجية، مما قد يَفصم عُراها، أو يُعَكِّر صَفوها، واستعيني بالله تعالى؛ فإنَّ الله لا يُضيع أهل التقوى والصبر؛ قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]، وقال صلى الله عليه وسلم: «وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر»؛ رواه البخاري.
فالزوجةُ العاقلةُ مَن تنحني للريح حتى تَمُرَّ، ثم تنظر لنفسها بعدما تهدأ الرِّيح، ولا تدَع الأمر يصل لمرحلة انسداد الأُفُق، وبمعنى آخر: فَن الممكن وفقَ حسابات القوة والمصلحة، أما سُلوك طرُق: إن كنتَ ريحًا فقد لاقيتَ إعصارًا، فإنها تُدَمِّر الأسرة!
أمر أخير: يَحْسُن لك أنْ تُوَسِّطي أحدًا مِن أهل الخير والإصلاح بينكما، فإن كان الإصلاحُ بينك وبين أُمِّ زوجك ممكنًا عمل على الإصلاح، ولو بإغضائك عن بعض الهفوات، فقد قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا ظُلِمَ عبدٌ مَظلمة فصبَر عليها إلا زاده الله عزًّا»؛ رواه الترمذي.
وأُمُّ زوجك كغيرها من خَلْق الله متى تُعاملينها بالرِّفق والحنان والاحترام فستملكين قلبها، وتحوزين حبَّها.
وفقك الله لكلِّ خير.
- التصنيف:
- المصدر: