هل أكون مخطئة بفصل معلمة مقصرة في عملها؟
معلِّمة مَسؤولة عن دار أيتامٍ، أتتْ بمُدرِّسة للعمل في الدار كراعية للأطفال، لكن المدَرِّسة مُقَصِّرة في عمَلها، وتغيب كثيرًا، ووقت العمل تكون مُنشَغلة بالهاتف بصورةٍ مستمرةٍ، وتسأل: أنا كإنسانةٍ أتَّقي الله في حياتي، ولا أُحب أن أظْلِمَ أحدًا، هل أكون مخطئة لو فصلتها مِن العمل؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا معلِّمة أعمَل في دار أيتام تابعةٍ لجمعيةٍ خيريةٍ، وأنا المسؤولة عنْ مذاكَرة الأولاد، تعمل معي مدرِّسة وهي مسؤولةٌ عن إعطاء الدروس وشرحها لولدٍ وبنت، ومتابعتهما في الواجبات اليومية المنزليَّة!
لكن فُوجئتُ بغيابها المستمرِّ عن العمل، فمِن الممكن أن تحضرَ ثلاثة أيام في الأسبوع، ولا تحضر باقي الأيام، ومِن ثَمَّ أقوم أنا بعمَلِها لوُجود عجزٍ في المدرسين نظرًا للظروف الاقتصادية.
المشكلة أنها لا تهتم بالأولاد، وأنا أشعُر تُجاههم بالمسؤولية المعنوية والنفسية، وأعدُّهم أولادي، وأتقي الله فيهم، وأحبهم جدًّا.
كذلك أراها غير أمينة في عمَلِها، وتستخدم الهاتف كثيرًا في أوقات العمل، مما يهدر الوقت المخصص لمذاكَرة الأولاد!
وبحُكم مَسؤوليتي أسأل:
أنا كإنسانة أتَّقي الله في حياتي، ولا أحب أن أظْلِمَ أحدًا، هل أكون مخطئةً لو طَرَدتها من العمل؟! فالأهم لديَّ في المقام الأول مصلحة الأطفال الأيتام، وكل ما أريده أن تحضرَ مدرِّسة تُوفي بمتطلبات العمل، وتواظِب عليه، حتى نحققَ أهدافَ العمل المرْجُوَّة.
وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فجزاك الله خيرًا أيتها الأختُ الكريمة لِحِرْصك على الخير، وعلى تلك الرُّوح العالية والشعور بالمسؤولية تجاه الأيتام، ونسأل الله أن يرزقك التوفيق والثبات.
أما تقصيرُ تلك المعلِّمة في العمل المنوط بها، فلا يخفى على أحدٍ أنه يجب على كلِّ مَنْ عَمِل عملاً يتقاضى عليه راتبًا أن يُؤَدِّيه على الوَجْهِ المطلوب، وأن يقومَ بما تَمَّ الاتفاق عليه مِن أعمال، وكلُّ تقصيرٍ أو تفريطٍ مِن غير عُذرٍ شرعيٍّ غيرُ جائزٍ شرعًا، بل يجعل ما يَتقاضاه من راتب محرمًا، وللمَسؤول عن العمَل أن يفعلَ ما يراه مناسبًا لصالح العمل.
فالمسلمُ مُطالَبٌ بإتقان وتحسين وتكميل ما أوكل إليه ولا يهمل فيه، وأن يُراقب الله فيؤديه كما يرضي الله تعالى؛ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم رغب في تجويد العمل؛ سواء أكان عملاً دينيًّا أو دنيويًّا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدُكم عملاً أن يُتْقِنَه»؛ رواه أبو يَعْلَى والطبراني، وصححه الألباني؛ أي: يُحْكِمُه، كما جاء مُصرحًا به في رواية، وذلك لأنَّ الإمدادَ الإلهي ينزل على العامل بحسب عمله، فكلُّ مَنْ كان عملُه أتقنَ وأكمل فالحسناتُ تضاعَف أكثر، وإذا أكثر العبد أحبَّه الله تعالى؛ قاله المناوي في شرح الجامع الصغير (1/ 269).
أما مُعاقبتك لتلك المعلِّمة المقصِّرة بالاستغناء عنها؛ فقد ذكرتِ - بارك الله فيك - أنك المسؤولة عن التحصيل العلمي في الجمعية الخيرية، فأنتِ راعية على الطلاَّب الأيتام والمعلمين في آنٍ واحدٍ، ومسؤولة شرعًا بالنظَر في مصلحة الاثنين، وتحري العدل، ومن القسط في الحقوق أن تؤدي المعلمة الحق الذي عليها بإتقان، وفي الأوقات المحددة، ودون انقطاعٍ، وألا تضيع وقت الحصة في المكالمات الهاتفية، فإن أساءت المعلمةُ التصرُّف، وجَب عليك كمسؤولة الأَخْذ على يديها، فإن لم ترعوِ وتكفّ، فإما أن تتركيها تفعل ما تشاء وهذا تضييعٌ للأطفال، وإما أن تستبدلي بها أخرى حتى لا نظلم الأولاد، وهذا هو العدلُ، وهي مَنْ جَنَت على نفسها، ويداها أوكتا وفوها نفخ!
وقد أصَّل القرآن الكريم لقاعدة الموازنات تلك فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135].
أي: فلا تراعوا الغني لغناه، ولا الفقير رحمةً له، بل احكموا بالحقِّ مهما كان، والقيام بالقِسْط من أعظم الأمور وأدلها على دين القائم به وورعه، فينبغي لمن نصح نفسه وأراد النجاة غدًا أن يزيلَ عن نفسه كل مانعٍ يَعُوقه عن إرادة القِسْط والعمل به.
وفقك الله لكل خيرٍ، وحَفِظ أبناء المسلمين أجمعين.
- التصنيف:
- المصدر: