أيهما أختار: طاعة الوالدين أو مستقبلي؟
طالب في المرحلة الثانوية غير جاهزٍ لخوض العام الدراسي لِوُجود قُصور في بعض أساسيات المواد الدراسية، ولو دخل هذا العام فلن يحصلَ على مجموع عالٍ؛ فقرَّر تأجيل العام الدراسي، لكنَّ الوالدين يَرْفُضان التأجيل وأقْسَمَا عليه بالدخول، وهو متحيِّرٌ في أخذ القرار.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبٌ في الثانوية العامَّة، ولا أريد أن أدرس هذا العام لفَقْري الشديد في بعض أساسيات الدراسة التي يجب أن أدخلَ بها الثانوية.
أخطأتُ في السنوات الماضية، وأحاوِل أن أصلحَ ما فعلتُ، ولا أريد أن أصلحَ الخطأ بخطأٍ، ولا أريد أن أسير في الدراسة كما يقال: (بالبركة).
كلُّ ما أريده أن أكونَ مُجَهَّزًا أو مُهَيَّأً لما أنا مُقبِل عليه، والمشكلة أنني الآن غير مهيَّأٍ لخوض هذا العام الدراسي.
أعلم أنَّ هناك مَن سيقول لي: لا بد أن تَتَحَمَّل خطأَك، لكن كل ما أريد أنْ أحققَ أفضل النتائج.
المشكلة أن أهلي أقسموا عليَّ وقالوا: إن لم تدخلْ هذا العام لا أنت ابننا ولا نعرفك، وسنطردك من البيت، وكان الكلامُ صارمًا جدًّا، وأمرُ الوالدين - خاصة بعد هذا التهديد - لا بد أن يُطاع، ولا أريد في المقابل التضحية بالعام وبنتائج سلبية قليلة.
فبماذا أُضَحِّي؟:
هل أُضَحِّي بالمستقبل مِن أجْل طاعة الوالدين؟
أو برضا الوالدين مِن أجْلِ المستقبَل؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلا تعارُض أيها الابن الكريم بين طاعة الوالدين والمستقبل المشرِق حتى نضطرَّ للمفاضَلة بينهما، أو أن نجعلهما نقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان؛ فهذا بلا شكٍّ تصوُّرٌ خاطئ، وهو مَن أوْرَثَك تلك الحيرة.
مَن تأمَّل رسالتك أدْرَك مدى حِرصك على مستقبل مُشرقٍ، وعَلِم طموحك لدخول إحدى كليات القمة - كما يحلو لأقرانك مِن الشباب تسميتها - وهذه الهمةُ العاليةُ والرغبة الصادقة تحتاج فقط لتوجيهٍ وحُسن إدارة واستثمار لقدراتك، حتى تؤتي الثمرة المطلوبة وتحقِّق أملك، شريطة أن يكونَ مَن يضع الحل صاحب درْبةٍ طويلة في مجال التعليم والتربية وأحوال الناس.
ولأسهِّل بيان ما أريد طَرْحه ولضمان الاستفادة منه - سأَجْعَلُه في نقاطٍ محددةٍ:
أولاً: مراحل التعليم في بلادنا ليستْ مُرتبطةً بالشكل الذي تظنُّه؛ بحيث يستحيل تخطِّي سنة إلا بعد الإلمام التام بالتي تسبقها؛ فالطالبُ الذي كان غير مهتمٍّ بدراسته في العام الأول والثاني من المرحلة الثانوية يمكنه بكلِّ سُهولة أن يتفوَّق في الثانوية العامة إنْ بذل المجهود الكافي؛ وهذا أمرٌ مشاهَدٌ، بل إن غالبَ الطلاب - سلمك الله - لا يَبذُلون مَجْهودًا أصلاً في سنوات النَّقل في تلك المرحلة، ويتواصَون فيما بينهم بذلك؛ كي يُوفِّروا مجهودهم الأكبر للمرحلة النِّهائية، والواقعُ خيرُ شاهدٍ على كلامي، حتى إذا ما جد الجد رأيتهم أشخاصًا آخرين في الجدِّ والمذاكَرة والمصابرة.
ثانيًا: ما ذكرتُه لك في العنصر السابق ينطَبِق على مُعظم المواد العلميَّة والأدبية، غير أنَّ بعض المواد يحتاج الطالبُ فيها إلى إلمامٍ بما درسه في الأعوام السابقة؛ كبعض أبواب الرياضيات، وكذلك اللغة العربية في علم النحو خاصَّة، واللغة الإنجليزية في grammar، والتغلب على تلك المشكلة أيسرُ مما تتصوَّر، فالمدرِّسُ صاحبُ الخبرة يُعطي الطالبَ ما يحتاج إليه مِن الأعوام السابقة.
ثالثًا: مَنْ حَرَص على شيءٍ وجَدَّ في طلبه، وهان عليه التعَبُ في سبيل الوصول إليه والظفر به - ناله بإذن الله تعالى، ولكن لا بد أن تُحسِن الأخذ بالأسباب والصبر على المذاكرة، فقد قيل: مَنْ جَدَّ وَجَد، ومَن لَجَّ ولَجَ، ومَن زَرَع حَصَد، ولكل مجتهدٍ نصيبٌ، والصدقُ ضامن لحصول المطلوب.
وفي هذا يقول الشاعر في البيت المشهور:
الجَدُّ في الجَدِّ وَالحِرْمَانُ في الكَسَلِ فَانْصَبْ تُصِبْ عَنْ قَرِيبٍ غَايَةَ الأَمَلِ
وقال الآخر:
بِقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعَالِــي وَمَنْ طَلَبَ العُلاَ سَهِرَ اللَّيَالِــي
وَمَنْ طَلَبَ العُلاَ مِنْ غَيْرِ كَدٍّ أَضَاعَ العُمْرَ فِي طَلَبَ المحَالِ
تَرُومُ العِزَّ ثُمَّ تَنَامُ لَيْــــــــلاً يَغُوصُ البَحْر مِنْ طَلَبِ اللآلِي
ومِن أجود ما قيل في هذا قول أبي الطيب:
إِذَا غَامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومٍ فَلاَ تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُـــــومِ
فَطَعْمُ المَوْتِ في أَمْرٍ حَقِيرٍ كَطَعْمِ المَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ
وأَحْسَنُ مِن هذا كلِّه قوله تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30].
رابعًا: الشارعُ الحكيمُ رغَّبَنا في الأخْذِ بأسباب القوة، وهو عامٌّ في كل شيءٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله مِن المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرصْ على ما ينفعك، واستَعِنْ بالله ولا تعجز، وإن أصابَك شيءٌ فلا تَقُلْ: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قلْ: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمَل الشيطان»؛ رواه مسلم، وقال «فَسَدِّدوا وقاربوا»؛ رواه البخاري.
والمعنى: الْزَمُوا السداد، وهو التوسُّط في الأعمال.
و «قاربوا»: اقتربوا من الكمال إن لَم تَصِلُوا إلى الأكمل.
احرصْ دائمًا على أن تكونَ عالي الهمَّة، وخُذْ بأسباب القوة فيما تعمل، وأحْسِنِ الظنَّ بالله أن يكلِّلَ جهدك بالوصول لهدفك المأمول.
وفَّقك الله لكل خيرٍ، وقدَّر لك الخير حيث كان.
- التصنيف:
- المصدر: