لست مستعدًا للزواج
شاب في نهاية العشرين ولا يريد الزواج، وأمه ووالده يلحان عليه بالزواج، لكنه يرفض.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ عمري 27 عامًا، أدرس الماجستير في كلية الهندسة، تكمُن مشكلتي مع أمي التي تُلِحُّ عليَّ أن أخطب وأتزوج، وحاليًّا أنا أعمل مهندسًا وراتبي ضعيف ولا يُساعد على الزواج.
كما أنني لستُ مُستعدًّا لتحمُّل المسؤولية، وأحاول ترك العادة السرية، وأسعى لتطوير نفسي من الناحية العلمية والعملية، حتى أكون قادرًا بشكلٍ فعليٍّ على الاستقلال بنفسي.
أما مسألة الزواج فهي مِن آخر أولوياتي؛ لأني لا أجد سببًا قويًّا يُشَجِّعني على الزواج، خصوصًا من الناحية المادية، علمًا بأنها اقترحتْ عليَّ وكذلك أبي أنهما سيقدمان لي المساعدة المالية، لكني رفضتُ؛ لأن ذلك سيجعلني قليل الشأن أمام مَن أخطبها.
أرجو منكم النصح والإفادة، وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فمما لا شكَّ فيه أيها الأخ الكريم أن نظرتَك للزواج نظرةٌ خاطئة؛ فأهميةُ الزواج للفرد والمجتمع لا يَشكُّ فيها أحد، ومن ثَمَّ كان مِن سُنن خير عباد الله وهم الأنبياءُ والمرسلون، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].
فكونُك ما زلتَ شابًّا صغيرًا لا يمنع مِن المبادَرة بالزواج بامرأةٍ صالحة تظفرُ بها، وتستعفِف بها عن الحرام، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما أمر الشبابَ بالزواج كما في الصحيحين عن عبدالله رضي الله عنه أنه قال: كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ الشبابِ، مَنِ استطاع الباءةَ فلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأَحْصنُ للفَرْج، ومَن لم يستَطِعْ، فعليه بالصوم فإنه له وِجاءٌ».
وفي رواية مسلم عن علْقَمَة، قال: كنتُ أمشي مع عبدالله بمِنًى، فلقيه عثمان، فقام معه يُحدِّثُه، فقال له عثمان: يا أبا عبدالرحمن، ألا نُزَوِّجُك جاريةً شابَّة؛ لعلها تُذكِّرُك بعضَ ما مضى من زمانك؟ قال: فقال عبدالله: لئن قلتَ ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:... وذكر الحديث.
فالزواجُ حِفْظٌ للدين، وإحرازه عون للرجل والمرأة للتغلب على كثيرٍ مِن نَزَعات الشرِّ في النفس، وروى الحاكمُ عن أنس مرفوعًا: «مَن رَزَقه اللهُ امرأةً صالحةً فقد أعانه على شطرِ دينِه، فليتَّقِ اللهَ في الشطر الباقي»، وفي رواية: «إذا تزوَّج العبدُ فقد كمَّل نصفَ الدين، فليتَّقِ اللهَ في النصف الآخر»؛ رواه الطبراني في الأوسط.
وذلك لأن النِّكاح يحصُلُ به العفافُ عن الزنا والعادة السرية وغيرهما، وحفظُ الفرْجِ مِن أحد الخصلتَيْنِ اللتَيْنِ مَن حصَّلهما دخل الجنة؛ كما في صحيح البخاري عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن يَضمَن لي ما بين لَحيَيْه وما بين رجلَيْه أضمَن له الجنةَ».
وفيه أيضًا: إيجادُ النسل، وتكثيرُ الأمة، وتحقيقُ مباهاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم الأمم بأمَّتِه، وكذلك حرص الصحابة على الزواج، وقد صحَّ عن عبدالله بن مسعود أنه قال: "لو لم يبقَ مِن أجلي إلا عشرة أيام، وأعلمُ أني أموت في آخرها يومًا ولي طول النكاح فيهنَّ - لَتَزَوَّجْتُ؛ مخافةَ الفتنة"، وقيل لسعيد بن جُبير: "تزوَّج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرُها نساءً"، وقال الإمام أحمد: "ليست العزبة من الإسلام في شيءٍ".
أما كونُ الزواج آخرَ أولوياتك فهذه مسألةٌ نفسيَّة، أفرزت سلوكًا ناتجًا عن فكر سلبيٍّ يسهل استبدال فكر إيجابي به للتبكير بالقبول بالزواج، وذلك بالتأمل فيما سبَق من كلام.
أما تقبُّل إعانة الوالد فلا يُقلِّلُ من شأنك أمام مَن تتزوَّجُها؛ فهذه أعرافُ الناس في جميع بلادنا، وهو أيضًا عُرفٌ شرعي؛ فالإمام أحمد أوجَبَ على الأب تزويج الابن، وجعله من جملة النفقات، والنبي صلى الله عليه وسلم بشَّر بإعانة اللهِ لراغب الزواج، وأوجبه على نفسه العليَّة بمقتضى وعده معاونتهم؛ فقال: «ثلاثة حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف»؛ رواه الترمذي.
أما إنجاز الماجستير والدكتوراه، أو أي شهادة، أو منصب، أو مشروع ونحو ذلك - فلا يُعارِضُ الإقدامَ على الزواج، والواقع خيرُ دليل على ذلك؛ فلم يكن الزواجُ يومًا من الدهْر عائقًا عن الإنجاز، بل غالبًا ما يكون حافزًا ومشجِّعًا، حتى قيل: وراء كلِّ رجل عظيم امرأةٌ، فلا تَتَعَلَّل سلَّمك الله بذلك.
وفَّقك الله لكلِّ خير، وقدَّر لك الخير حيث كان.
- التصنيف:
- المصدر: