طليقتي تريد الرجوع إلي فهل أعيدها؟

منذ 2018-04-01

شاب بينه وبين زوجته مشكلات كثيرة بسبب لسانها السليط عليه، حتى طلَّقها، لكنها صُدِمَتْ مِن الطلاق وندمتْ، وتريد الرجوع مرة أخرى.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ مُلتزم منذ عامينِ، تزوجتُ زوجتي وهي فتاةٌ حسنة السُّمعة، ولا تُحب الخروج إلا نادرًا، كنتُ أُعامِلها في بداية الزواج كالمَلِكة، أَخْرُج معها إلى أفخم المطاعم، وأعطيها ما لذَّ وطاب، وبعد الشهر الثاني من الزواج وجدتُها أنانيةً لا تُريد إلا مصلحتَها، لدرجة أنها تركت البيت وذهبتْ إلى أهلها بحجة أن البيت لا يُلائمُها لأنه في الدور الأرضي!

صبرتُ عليها كثيرًا، وأرجعتُها، لكنها رفضتْ، وظلتْ عند أهلها، ثم غبت عن البيت لمدة، وعرفتُ أنها كانتْ تُرسل رسائل مسيئة لوالديَّ، ومنعتْ أهلي من رؤية ابني.

بعد عودتي استمرَّ مسلسل العناد والكلام بصورة سيئة؛ مثل: (أنت لستَ رجلًا، لن أخرجَ معك، لا تستطيع أن تردَّ عليَّ، ليس لك رأيٌ، أمك تستغلك)، هذا غير الخروج المتكرر بدون إذن!

كنتُ أتمالَك نفسي كثيرًا، وأصبر، حتى فاض بي الكيل، وأصبحتُ أسبُّها هي وأهلها وأَضربها في بعض الأحيان، حاولتُ التحاوُر معها، لكنها تَرفع صوتَها باستمرارٍ، كلَّمتُ أهلها فقالوا: ابنتنا حسنة الخلق، ولا تخطئ!

من كثرة المشكلات التي نعيش فيها حاولتُ أن أريحها وأريح نفسي وأخبرتها بالطلاق، وأنه ضرورة لكثرة المشكلات بيننا، فردتْ عليَّ بقولها: (عادي جدًّا، الرجال كثير)!

طلقتُها، فصُدمتْ مما فعلتُ، وتريد أن ترجعَ للحياة الزوجيةِ مرةً أخرى.

فأخبِروني ماذا أفعل؟ هل أعيدها أو لا؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فالطلاقُ بعد كلِّ هذا السيل من الإهانات هو النتيجةُ الحتميةُ، لتطاول المرأة وتسلُّطها على زوجها، إن صادفتْ رجلًا حقيقيًّا يأبَى الضيم، فالصلفُ والجهلُ والاغترارُ والاستكبار والحِرص على شهوات النفس ومصالحها الذاتية والظلم كلها أمراضٌ قلبيةٌ مُستوطنةٌ في التواءاتِ النفس البشرية ومنحنياتها ودروبها الكثير، وهي أشد ما يُهدِّد روابط الأسرة، ويوهن الأساسَ الذي تقوم عليه.

والإسلام قد حرَص على سلامة الأسرة مما يُهَدِّدها ويُقَوِّض أركانها، غير أنه شرَع الطلاقَ أيضًا كحلٍّ أخيرٍ لحكمٍ جليلةٍ إذا كان هناك ما لا تستقيم معه الحياة، ولا يستقر لها قرار، فالمنهجُ الإسلاميُّ منهجٌ واقعي يضع الحلولَ الناجعة لجميع الأحوال التي لا يُجدي معها الإنكار ولا هزُّ الكتفين، ففساد الحالِ بين الزوجين، وسُوء العشرة، واللدد في الخصومة مِن غير فائدة - يَجعل البقاء مفسدةً خالصة، وضررًا مجردًا، فاقتضت حكمة العليم الخبير أن يشرعَ الطلاق لتزول المفسدة.

حتى قال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (5/ 219): "قد يكون الطلاقُ مِن أكبر النِّعَم التي يَفُكُّ بها المطلِّقُ الغل مِن عنقه، والقيدَ مِن رجله، فليس كل طلاق نقمةً، بل مِن تمام نعمة الله على عباده أن مَكَّنَهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدُهم استبدال زوج مكان زوج، والتخلُّص ممن لا يحبها ولا يلائمها، فلم يُرَ للمتحابَّينِ مثلُ النكاح، ولا للمتباغضَينِ مثلُ الطلاق، ثم كيف يكون نقمة والله تعالى يقول: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236]، ويقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]؟". اهـ.

واللهُ تعالى وعَد كِلا الزوجين أن يُغنيه مِن فضله ومما عنده سبحانه، ويوسع عليهما بما يشاء؛ قال عز وجل: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130].

أما ندمُ طليقتك أيها الأخ الكريم وشعورُها بالألَم فأمرٌ إيجابيٌّ يدُلُّ على أنَّ الطلاقَ مهما كان مُرَّ المذاق، شديدَ الوقع على النفس، إلا أنه دواءٌ لبعض النساء المتسلِّطات، فيكسر كبرياءها، ويُداوي نزقها، ويُهدئ مِن ثورة نفسها، فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: «وكسرُها طلاقُها»! ومن ثَم تمهَّل في إعادتها حتى تستوعب ذلك الدرس القاسي جيدًا.

ففي الطلاقِ مَوعظةٌ شديدةٌ مؤلمة لنفس المرأة، فتزيح عنها العلة، وتخلي نفسها عن الشواغل التي كانتْ تصرفها عن سَماع النصح، وبقاء ذلك الأثر هامٌّ بعد ذلك لحفظ البيت، فتمضي مستقيمة من غير التفات لسابق العهد، وتتمهَّل في ردِّها عليك، وتخلو بنفسها وتتأمَّل حالها وما جناه عليها عنادها، وتقارن بين حياتها وهي زوجة وحياتها الآن بعد أن أصبحتْ مُطلقةً، حتى إذا رجعتما مرةً ثانية حافظتْ على بيتها، وعاشتْ بالمعروف الذي أوجبَه الله تعالى على كِلا الزوجين، وأمسكتْ بيتها وصانته، ولم تُعَرِّضْهُ ثانية لهزات بسبب النزوات الجامحة أو العاطفة المتقلبة، أو الهوى الذاهب مع الريح.

وفقك الله، وقدَّر لك الخير حيث كان.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 12
  • 3
  • 67,156

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً