الزوجة بعد الأربعين

منذ 2020-07-15

سيدة في الأربعين من عمرها، لديها أولاد، تشكو مِن جفاء زوجها وتهديده لها بالطلاق، واكتشفتْ أنه متزوج من غيرها، وتفكِّر في الطلاق، لكن تخشى على نفسها وأولادها.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة في الأربعين من عمري، لديَّ خمسة أولاد، تزوجتُ منذ عشرين عامًا بعد علاقة زَمالة محترمةٍ، وأقرب إلى الوقار، كانتْ حياتي مع زوجي تتسم بالكآبة والسآمة، وكنتُ كثيرًا ما أعيد عليه سؤالًا لم يشفِ غليلي بعدُ بالجواب عنه: لماذا تزوجتَ؟!

 

زوجي لا يرغب في النساء، كثيرُ الخصام، يُخاصمني بالأيام الطويلة، وكنتُ أحاول دائمًا تجنُّب الأسباب الموصلة إلى هذا الخصام، لكن وكأنه ينتظر أي فِعل لكي يُخاصمني!

 

زوجي مهملٌ إهمالاً شديدًا في البيت، إذا تكسَّر شيءٌ في البيت لا يسعى لإصلاحِه، وكنتُ أتغاضى عن ذلك كثيرًا، لكن بعد ذلك لَم أتحملْ هذا الإهمال المُسْتَمِرَّ.

 

حاولتُ أن أتقرَّب إليه كثيرًا، لكني فشلتُ، هذا زيادة عن وفاة والديَّ، وعدم وجود سَنَدٍ لي، مع الحرمان العاطفي، وكثرة سفَره!

 

في ظلِّ هذه الحياة كان ابني قد بلغ سن المراهقة، وبدأتْ فِتَنُ الحياة تأخذه خارج البيت، فأهْمل دراستَه، وبدأ في الاستهتار الشديد والتعاطي، وأقف أنا كالتائهة، لا أعرف لمن أشكو حالي، ومن يقف بجانبي، فلا يوجد زوجٌ يهتمُّ بي، فضلاً عن اهتمامه بالأولاد، ولا بيت أتنعَّم فيه وأجمع أولادي فيه، ولا أهلٌ أشكو لهم ما أنا فيه، حتى كرهتُ حياتي!

 

مِن كثْرة الضُّغوط التي أَمُرُّ بها وقع الطلاقُ بيني وبين زوجي إثر انفعالٍ شديدٍ مني، لكن أعادني بعدها، وبقي الحالُ على ما هو عليه، واستسلمتُ أنا للمزيد مِن القهْر.

 

اضطررتُ للجوء إلى صديق زوجي؛ طالبةً منه تقويم أخلاق ابني ومتابعته، ثم زلَّتْ قدمي، ووقعتُ في براثن علاقةٍ حاولتُ مِن خلالها التنفيس عن حاجتي؛ لأني كنتُ أحتاج بشدة إلى مَن يقف بجانبي؛ أخًا، أو زوجًا، أو أبًا، أو أمًّا، أو صديقًا، أي شخص في الدنيا، والحمدُ لله لم تستمرَّ علاقتي به أكثر مِن أيام قلائل، وكنتُ مِن أصحاب النفس اللوامة التي ترفض الانصياع وراء رغبات النفس!

 

حاولتُ التعبير لزوجي عن هذه المشاعر، لكنه كان يقهرني بالطلاق، ويستخدمه ككارت إرهابٍ يسكتني به أثناء اعتراضي على أيِّ شيء!

 

اكتشفتُ في ظل الحرمان الذي أُعاني منه أنا وأولادي أنَّ زوجي مُتَزَوِّج من أخرى، فأصابتْني صدمة شديدة، ليس غيرة عليه، لكن لأني وحدي مَن يدفع الثمن!

 

باتت التضحيةُ هي الخيار الوحيد، فكيف لمثلي وقد بلغتْ سن الأربعين - ولديها خمسة من الأولاد - أن تُطلق؟ فأين أذهب؟ فلم يكن لي خيار، وأصبحتُ خادمة، بل زاد على ذلك زواجه الثاني، وجلوسه عند زوجته الثانية عاماً كاملاً، لا يسأل عني أو عن أولادي، يُرسل لنا فقط مصروف البيت ولا يسأل عنا!

 

ثم فوجئتُ بزواجه مِن الثالثة، وعندما سألتُه عن سبب الزواج قال: أعفُّ أختًا مسلمة! يريد أن يعفَّ أختًا مسلمة، فكيف وهو لا يعفُّ أهله أولاً؟!

 

عندما تعرفتُ على زوجته الثانية، أخبرتْني بأنه على خِصامٍ دائمٍ معها، فعلمتُ أنَّ وضْعي مُشابهٌ لوضعها كثيرًا!

 

كان والداي يعملان قبل وفاتهما، والحمدُ لله لي منهما معاشٌ جيدٌ، هذا إذا آل الحالُ إلى الطلاق، لكن المشكلة أني لو طلبته فسأُحْرَم مِن أولادي، وأفقد حبهم لي!

 

لا أريد أن أصلَ إلى هذه الحال، بل أحاول استمالة زوجي بالتزيُّن والتودُّد، لكنه لا يُستمال بالتدلُّل، ولا بأشياء مِن مِثْل هذه، يُريدني خادمةً له، لكن لا يُفْصِح عن نيتِه!

 

أخبروني كيف الخلاص مما أنا فيه؟ وكيف أعيش ولا أفْقِد أولادي؟

الإجابة:

سيدتي الفاضلة، حياكِ الله.

مِن حَقِّ كلِّ إنسانٍ في أي عُمر ومِن أي جنسٍ أن يطلبَ الحبَّ، ويستشعرَ أهميته ومكانته لدى أحبائه، مِن حقكِ أن تشعري بأمومتكِ من أبنائكِ، وأنوثتكِ من زوجكِ، وأن تُعامَلي مُعاملةً إنسانية كريمةً، لكن ليس كلُّ ما يتمناه المرءُ يُدْركه، ولو كانتْ حياتنا كما نُحب لما رغبنا في الآخرة، ولما ذابتْ قلوبُنا شوقًا إلى الجنة، وكثيرٌ مِن الابتلاءات التي تعصر أفئدتنا، وتُلهب أكبادنا، وتطيش معها عقولُنا - تكون سببَ نيل رضا الله، ودخول الجنة، متى ما صبرنا واحتسبنا، والله تعالى يُوَفِّي الصابرين أجرهم بغير حسابٍ، فتذكري فقط أجْر الاحتساب عند الله، وتفَكَّري في رحمة الله، رغم قسوة الحياة وما بها مِن آلامٍ قد لا تتحملينها في بعض الأحيان، وقد تضعف همَّتك وتفتر مِن شدة الحزن وتجرع مرارته، فاعلمي أنَّ مع العسر يسرًا، وأن الفرَج يأتي من بين طيات الألم، ولا تيئَسي مِن رحمة الرحمن، واستعيني به وَحْدَهُ، مُكثرة مِن ذِكْرِه وشُكره.

 

أختي الكريمة، مِن كامل حقِّ زوجكِ أن يتزوَّجَ بغيرك، لكن لا علاقة لزواجه أو عدمه بأحقيتكِ في مُعاملةٍ طيبة كريمة، وأحقية الأولاد في رعاية مستمرةٍ، وأحقية البيت في تحمُّل مسؤولية ألْزَم نفسه بها حين تقدَّم للزواج، فليس له شرعًا أو عُرفًا أنْ يهجركِ عامًا كاملًا لمجرد أنه يُرسل مصروف البيت، ويلتزم بما يحتاج الأبناء مِن ماديات لا تغنيهم عن الأب بكلِّ ما تحمل هذه الكلمة مِن مَعانٍ؛ فالأبُ مَصدرُ الأمن الأول للأبناء، ومنبعُ الثقة الرئيس، وهو الذي يُقيم التوازن النفسيّ لهم، بقيامه بدور يجمع بين الحزْم والحنان، على عكس الأمِّ في غالب الأحوال.

 

إذا ما نظرتِ لحالكِ وما أنتِ عليه مع زوجكِ وأبنائكِ ستشعرين بالتعاطُف الشديد مع نفسكِ، والتضحية التي لم تُقابل بمثلها أدتْ إلى شعورٍ قويٍّ مِن السخط على الأحوال، والشفقة على النفس، والحاجة الزائدة لنيل حقوقٍ كان مِن المفترض أن تحصلي عليها في عُمر أصغر، ولا يخالفكِ أحدٌ في أحقيتكِ طلَب الانفصال عن زوج لا يُدرك مِن قيمة الحياة الزوجية ولا يُقدِّر مِن مسؤولياته إلا القليل، خاصة وأنكِ لن تعوزكِ الحاجة المادية إلى البقاء مع ظل زوج أو ثُلث هذا الظل! لكن أُذكركِ هنا بأن المعاش الذي ستحصلين عليه هو لأحد الوالدين فقط؛ فلا يحقُّ لكِ قانونًا كلا المعاشين، وعلى حسب معلوماتي فلكِ أن تتخيري منهما الأفضل.

 

حين نتحدث عن الزواج في مثل هذا العمر، فعلينا أن نُدركَ أن الرجلَ لن يسعى للزواج من امرأة وأمامه مَن تفضلها جمالًا أو عمرًا أو غير ذلك، فهل تثقين يا عزيزتي أنَّ مَن سيتزوجكِ لن يتزوجكِ إلا لشخصكِ، وأنَّ مَن سعى لإقامة علاقة غير شرعية معكِ قُمتِ أنتِ بإنهائها لحرمتها - سيقبلكِ في الحلال، ويكون لكِ نِعْم الزوج، ويعوضكِ عن سني العمر التي مضتْ في عذابٍ وألمٍ؟

 

قد يحدُث هذا، إلا أنَّ الواقع يُنبئ بأنه نادر، وغير مُتكرر في عالمنا، ومهما بدت المرأة في عمر أصغر مما هي عليه، تبقى الصغيرة في أعينهم أفضل.

 

وأذكركِ أيضًا بأنَّ إنهاء العلاقات لأن نفسكِ لم تقبل المعصية - لا يَكفي؛ فعليكِ بالتوبة مِن ذنبك، والاستغفار والعزْم على عدم العودة إلى الذنب لاستكمال أركان التوبة.

 

بخصوص الأبناء، فلستِ مُلْزَمةً وحدكِ برعايتهم، وتقديم المزيد من التضحيات لأجْلِهم، ولكن فَكِّري في طريقةٍ تكسبين بها حياتكِ، ولا تخسرين ودَّهم؛ كأن تبحثي عمن يَقْبل اصطحابهم معكِ بعد الزواج، أو أن تأمني عليهم في بيت والدهم، وذلك من حُسن الرعاية، ومما يجدر بكل أُمٍّ صالحة التفكير فيه.

 

أنصحكِ قبل اتخاذ خطوة البحث عن النفس، ومراجعة حقوقكِ: أن تستدعي زوجكِ، وتناقشي معه حالكِ بجدِّيَّة ومَوضوعية؛ فيبدو أنه قد اعتاد أو ترسَّخ في ذهنِه أن شبح الطلاق أقوى مِن سائر الضغوط التي تمرين بها، وكثير مِن الأزواج يعتمد على هذا الأمر حين لا يكون للمرأة مأوى ولا سند ولا عائل؛ فيركن إلى تهديدها به، ويستيقن سكوتها، ورضاها ظلمه، وصبرها على حال ما كانتْ لتصبر عليه لو لم تفقدْ كل سندٍ غيره!

 

عليكِ أن تستخيري الله قبل خطوة مَصيريةٍ كهذه، وألا تدعي العواطف تُؤَثِّر عليكِ والمشاعر تتحكم في قراركِ، فالموازنةُ بين الأمور تُعين على اتخاذ القرار الأمثل، وتُرشد إلى الصواب، واعلمي أنه ليس مِن العيب أو العار أن تُفَكِّري في نفسكِ، ولستِ مُلْزَمة أمام الأبناء أو غيرهم بتقديم الحجج والتبريرات للتنعُّم بحياة زوجية كريمة، وليس من حقهم أن يحرموكِ ما أباح الله لكِ.

 

أخيرًا، نداء لكل زوجٍ:

المرأةُ كالزهرة متى سقيتَها بعذب الكلمات، ورقيق العبارات، تفتحتْ وازدهرتْ، ومتى حرمتَها العطف بشتى أنواعه والحبَّ بمختلف أشكاله - ذبلتْ وانطوتْ عليها أوراقها، وفقدت بريقها، ولا تنتظر حينها أن تنعمَ بالنظر إليها، أو تتنسم طيب عِطرها، فجزءٌ كبيرٌ مِن الأمر في يدك، أو بين فكيك!

 

وتذَكَّروا قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء».

 

والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل

 

  • 6
  • 1
  • 6,872

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً